أتبعه طريقًا آخر، ثم قال: "قال: ثم قرأ"، ولم يقل: جرير (١).
فقد أشار في الطريق الثانية إلى الإدراج، أي أن قراءة الآية لجرير، وليست مرفوعة إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وقد صرّح ذلك البيهقيّ في "السنن الكبرى"، والحافظ في "الفتح" (٢).
ومنها: أنه ربما أتى بلفظة تؤدّي معنى الإدراج، مثل ما أخرج من طريق عبيد الله ابن عمر، عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الْقَزَع، وبيّن أن تفسير القزع من نافع، ثم ساقه من طريقين وجعل التفسير من عبيد الله، ثم ذكره من طريق عثمان بن عثمان الغطفاني، وروح كلاهما عن عمر بن نافع، ولم يسق متنه، بل اكتفى بقوله: مثله، وألحقا التفسير فى الحديث (٣)، فنبّه بهذا على أن عثمان ورَوْحًا أدرجا التفسير في روايتهما (٤).
ومنها: أنه ربما رتّب الطرق، فبيّن بذلك ما وقع فيها من الإدراج، مثال ذلك حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- في مجيء داعي الجنّ إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وقراءته القرآن عليهم، قال ابن مسعود: "فانطلق بنا، فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم، وسألوه الزاد، فقال: لكم كلُّ عظم ذُكر اسم الله عليه، يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحمًا، وكلُّ بعرة علف لدوابّكم"، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فلا تستنجوا بهما، فإنهما طعام إخوانكم".
ثم رواه من طريق إسماعيل بن غبراهيم، عن داود، وقال: بسنده إلى قوله: وآثار نيرانهم، "قال الشعبيّ": "وسألوه الزاد إلى آخره"، فبيّن أنه من قول الشعبيّ منفصلا من حديث عبد الله، ثم أخرجه من طريق عبد الله بن إدريس، عن داود به بدون ذكر "وسألوه" إلى آخره، لا متّصلًا، ولا منفصلًا.
فقد أخرج الحديث في الطريق الأولى متضمنًا الإدراج، ثم أخرجه من الطريق الثاني مبيّنًا أن قوله: "وسألوه الزاد الخ" من قول الشعبيّ مرسلًا، وليس من حديث عبد الله، ثم أخرجه من الطريق الثالث، وليس فيه تلك الزيادة لا متصلة، ولا منفصلة.
وقد جزم الدارقطنيّ بالإدراج، حيث قال: "وآخر الحديث إنما من قول الشعبيّ مرسل، وليس عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- (٥) ".
(١) "صحيح مسلم" ١/ ٤٣٩ - ٤٤٠.
(٢) "السنن الكبرى" ١/ ٣٠٩ "فتح الباري" ٢/ ٣٤.
(٣) "صحيح مسلم" ٣/ ١٦٧٥.
(٤) راجع "فتح الباري" ١٠/ ٣٦٤ - ٣٦٥.
(٥) "التتبّع رقم (٢٣٤). وراجع "شرح النوويّ" ٤/ ١٧٠.