بهرج، أكنت تسأل عمن ذلك، أو تسلم له الأمر؟ قال: بل أسلم له الأمر، قال: فهذا كذلك بطول المجالسة، والمناظرة، والخبرة.
وسئل أبو زرعة ما الحجة في تعليلكم الحديث؟ فقال: الحجة أن تسألني عن حديث له علة، فأذكر علته، ثم تقصد ابن وارة، فتسأله عنه، فيذكر علته، ثم تقصد أبا حاتم فيعلله، ثم تميز كَلامَنَا على ذلك الحديث، فإن وجدت بيننا خلافا فاعلم أن كُلًّا منا تكلم على مراده، وإن وجدت الكلمة متفقة، فاعلم حقيقة هذا العلم، ففعل الرجل ذلك، فاتفقت كلمتهم، فقال: أشهد أن هذا العلم إلهام.
تنبيه: طريق معرفة العلّة: جمع طرق الحديث، والنظر في اختلاف رواته، وفي ضبطهم وإتقانهم، قال ابن المديني: الباب إذا لم تُجمَع طرقه، لم يتبين خطؤه.
وإلى ما تقدّم أشرت في "شافية الغلل" بقولي:
وَعِلَلُ الْحَدِيثِ جَمْعُ عِلَّةِ ... وَفُسِّرَتْ بِمَرَضٍ فِي اللُّغَةِ
أَمَّا فِي الإصْطِلَاحِ فَهْيَ سَبَبُ ... يَكُونُ غَامِضًا وَقَدْحًا يُوجِبُ
معَ سَلَامَةٍ تَكُونُ ظَاهِرَا ... فَالْخَبَرُ الْمُعَلُّ مَا فِيهِ تُرَى
مَعْ كَوْنِهِ ظَاهِرُهُ السَّلَامَهْ ... لَكِنْ لَدَى الْبَحْثِ تَجِي الْمَلَامَهْ
وَتَتَطَرَّقُ لإسْنَادٍ جَمَعْ ... فِي ظَاهِرٍ شُرُوطَ صِحَّةٍ تَقَعْ
تُدْرَكُ بِانْفِرَادٍ أَوْ مُخَالَفَهْ ... مَعَ قَرَائِنَ يَرَى ذُو الْمَعْرِفَهْ
فَيَهْتَدِي لِوَهْمِ رَاوٍ حَصَلَا ... بِالْوَقْفِ أَوْ إِرْسَالٍ أَوْ ذَا دَخَلَا
فِي غَيْرِهِ أَوْ نَحْوِ ذَا حَتَّى غَلَبْ ... فِي ظَنِّهِ فَرَدَّ ذَا لِذَا السَّبَبْ
أَوْ جَاءَهُ تَرَدُّدٌ فَوَقَفَا ... طَرِيقُ عِلْمِهِ لَدَى مَنْ عَرَفَا
جَمْعُكَ لِلطُّرُقِ ثُمَّ النَّظَرُ ... فِي الإخْتِلَافِ لِلرُّوَاةِ يُؤْثَرُ
وَالضَّبْطِ وَالإِتْقَانِ قَالَ الْحَاذِقُ ... ابْنُ الْمَدِينِيِّ الإِمَامُ الْفَائِقُ
الْبَابُ إِنْ طُرُقُهُ لَمْ تُجْمَعِ ... لَمْ يَسْتَبِنْ خَطَؤُهُ فَاتَّبِعِ
تنبيه آخر: قد كثر التعليل بالإرسال للموصول، وذلك بأن يكون راوي المرسل أقوى ممن وصل.
وإلى هذا أشرت في "الشافية" بقولي:
وَكَثُرَ الإِعْلَالُ بِالإِرْسَالِ أَوْ ... بِالْوَقْفِ إِنْ أَقْوَى مِنَ الضِّدِّ رَأَوْا
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة الرابعة: في بيان أقسام العلّة من حيث القدحُ وعدمه.
اعلم: أن العلّة تقع في الإسناد، وهو الأكثر، وقد تقع في المتن، وما وقع منها