أَحَدٍ) متعلّق بـ "الواجب" (عَرَفَ التَّمْيِيزَ بَيْنَ صَحِيحِ الرِّوَايَاتِ وَسَقِيمِهَا) أي عرف الفرق بينها، فالمراد بـ "التمييز" التميّز من إطلاق السبب وإرادة المسبّب؛ لأن التمييز فعل الفاعل، وليس مرادًا هنا؛ إذ المراد معرفة الفرق، وهو معنى التميّز، لا التمييز.
قال الفيّوميّ رحمه الله تعالى: مِزْته ميزًا، من باب باع: عزلته، وفصلته من غيره، والتثقيل مبالغة، وذلك يكون في المشتبهات، نحو: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} الآية الأنفال: ٣٧، وفي المختلطات، نحو: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} يس: ٥٩، وتَمَيّزَ الشيءُ: انفصل عن غيره، والفقهاء يقولون: سنّ التمييز، والمراد سنٌّ إذا انتهى إليها عَرَف مضارّه ومنافعه، وكأنه مأخوذ من ميّزتُ الأشياء: إذا فرّقتها بعد المعرفة بها، وبعض الناس يقول: التمييز قُوّة في الدماغ، يُستنبط بها المعاني. انتهى كلام الفيّوميّ (١).
ويحتمل أن يكون التمييز على حقيقته، ويكون المعنى على حذف مضاف: أي عرف طريق التمييز بينها.
والإضافة في "صحيح الروايات"، و "سقيمها" من إضافة الصفة إلى الموصوف: أي الروايات الصحيحة، والروايات السقيمة، وقد تقدّم تعريف الصحيح، والمراد بالروايات السقيمة: الروايات المعلّة، وقد تقدّم بيانها أيضًا.
وقوله: (وَثِقَاتِ النَّاقِلِينَ) من إضافة الصفة إلى الموصوف أيضًا: أي الرواة الثقات. وقوله: (لَهَا) متعلّق بـ "الناقلين" (مِنَ الْمُتَّهَمِينَ) كان الأولى أن يقول: والمتهمين بالواو؛ لأن كلمة "بين" مسلطة عليه؛ إذ هو معطوف على "صحيح الروايات الخ"، أي عرف الفرق أيضًا بين الرواة الثقات، وبين المتّهمين منهم.
والمراد بالمتّهم من يُتّهم بالكذب، وقد تقدّم له أنه يُلحَق بهم مَنَ كان الغالبُ على حديثه المنكرَ، أو الغلط، فكلهم مهجور الحديث، غير جائز الرواية.
وقال النووي رحمه الله تعالى: ما معناه: قوله: "وثقات الناقلين لها من المتّهمين" ليس من باب التكرار، بل له معنى غير ذلك، فقد تصحّ الروايات لمتن، ويكون الناقلون لبعض أسانيده متّهمين، فلا يُشتغل بذلك الإسناد. انتهى (٢).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ويحتمل أن يكون من باب عطف السبب على المسبب نظرًا للغالب؛ إذ معرفة الفرق بين الصحيح والسقيم إنما تتحقّق بمعرفة الثقات والضعفاء غالبًا. والحاصل أن صحة الحديث متوقفة على أمرين:
(١) "المصباح المنير" ٢/ ٥٨٧.
(٢) "شرح النووي" ١/ ٢١.