أحدهما: ثقة رجاله.
والثاني: استقامة متنه، فلو كان سنده صحيحًا إلا أن في متنه نكارة لا يقبل، وكذا العكس. والله تعالى أعلم.
(أَنْ لَا يَرْوِيَ مِنْهَا) أي من تلك الروايات الصحيحة والسقيمة، والمصدر المؤوّل خبر "أن"، والتقدير: أن الواجب على من عرف الفرق بين الصحيح، والسقيم عدم روايته (إِلَّا مَا عَرَفَ صِحَّةَ مَخَارِجِهِ) بفتح الميم جمع مخرج بمعنى الطريق: أي إلا ما عرف صحة طريقه، وذلك بكون رواته ممن ثبتت عدالتهم، وضبطهم.
وهذا هو القسم الأول الذي تقدّم بيانه في قوله: "فأما القسم الأول، فإنا نتوخّى أن نُقدّم الأخبار التي هي أسلم من العيوب، من غيرها وأنقى، من أن يكون ناقلوها أهل استقامة في الحديث، وإتقان لما نقلوا ... " إلى آخر كلامه.
(وَالسِّتَارَةَ) -بكسر السين، وتخفيف المثناة الفوقية- ويقال فيه "الستار" بحذف الهاء: وهو ما يُستتر به، قال الفيّومي: السِّتر -أي بالكسر-: ما يُستر به، وجمعه ستور، والسُّترة بالضمّ مثله. قال ابن فارس: السُّترة: ما استررت به كائنًا ما كان، والستارة بالكسر مثله، والستار بحذف الهاء لغة. وسترتُ الشيء سَتْرًا من باب قتل. انتهى.
وقال النوويّ رحمه الله تعالى: الستارة بكسر السين، وهي ما يُستتر به، وكذلك السُّتْرة، وهي هنا إشارة إلى الصيانة. انتهى (١).
وقوله: (فِي نَاقِلِيهِ) متعلق بـ "الستارة"، و "في" بمعنى اللام، والمراد كونهم مستورين، فهو بمعنى قوله المتقدّم: "فإن اسم الستر والصدق، وتعاطي العلم يشملهم".
وهذا إشارة إلى القسم الثاني الذي تقدّم له بيانه بقوله: "فإذا نحن تقصّينا أخبار هذا الصنف من الناس، أتبعناها أخبارًا يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان، كالصنف المقدّم قبلهم ... " إلى آخر كلامه.
والحاصل أن كلام المصنف رحمه الله تعالى هذا يشير إلى أن ما يجوز روايته من الأخبار ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: ما كان صحيحًا بكون رواته استوفوا شروط الصحة.
الثاني: ما كان دون ذلك، وهو ما نقله المستورون من أهل الصدق، فهذان
(١) "شرح النووي" ١/ ٢٠.