القسمان يجوز روايتهما. والله تعالى أعلم.
(وَأَنْ يَتَّقِيَ) عطف على "أن لا يروي الخ": أي يَحذَر، فـ "يتّقي" بتشديد المثناة الفوقية: مضارع "اتّقى"، وأصله "اوتقى" بوزن افتعل من التقوى، أبدلت الواو تاء، كما قال بن ابن مالك في "الخلاصة":
ذُو اللِّينِ فَا تَا فِي افْتِعَالٍ أُبْدِلَا ... وَشَذَّ فِي ذِي الْهَمْزِ نَحْوُ ائْتَكَلَا
وقال النووي رحمه الله تعالى: قوله: "وأن يتّقي منها" ضبطناه بالتاء المثنّاة فوقُ بعد المثنّاة تحتُ، وبالقاف، من الإتّقاء، وهو الإجتناب. وفي بعض الأصول: "وأن ينفي" بالنون والفاء، وهو صحيح أيضًا، وهو بمعنى الأول. انتهى (١).
(مِنْهَا) أي من تلك الروايات، وهو متعلّق بـ "يتّقي" (مَا كَانَ مِنْهَا) "ما" اسم موصول مفعول "يتّقي": أي يحذر من تلك الرواياتِ التي تُنْقَلُ (عَنْ أَهْلِ التُّهَمِ) -بضم المثناة الفوقية، وسكون الهاء، وفتحها-: أي أهل الشك والريبة، قال الفيّومي: "التُّهْمة": بسكون الهاء، وفتحها: الشكّ والريبة، وأصلها الواو؛ لأنها من الْوَهْم. انتهى.
والمراد به المتّهمون بالكذب. والله تعالى أعلم.
(وَالْمُعَانِدِينَ) أي المعارضين للسنة، والمخالفين لها، وهو عطف على "أهل التهم"، يقال: عاند فلان عنادًا، من باب قاتل: إذا ركب الخلاف والعصيان. قاله الفيّومي. وقوله: (مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ) متعلّق بحال محذوف من "المعاندين"، وهو حال مؤكّد، كقوله تعالى: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} هود: ٨٥.
و"البدع" -بكسر الموحّدة، وفتح الدال المهملة-: جمع بدعة، وهي: ما استُحْدِثت في الدين بعد إكمال الله تعاليله، حيث قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} الآية المائدة: ٣.
وحاصل ما أشار إليه المصنّف رحمه الله تعالى في هذا الكلام أن مَن لا تحلّ الرواية عنهم قسمان أيضًا:
أحدهما: المتّهم بالكذب، وهو مما خلاف بين أهل العلم فيه.
الثاني: المبتدع المعاند، والمراد المجاهر ببدعته، والداعي إليها، وهذا فيه اختلاف بين أهل العلم سيأتي تمام البحث فيه في المسألة الثانية، إن شاء الله تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(١) "شرح النووي" ١/ ٢٠.