وَبَيْنَ ذِي الرِّقَاقِ وَالتَّرْهِيبِ ... فَقَدْ رَوَوْا مَا جَا عَنِ الْمَعِيبِ
نُقِلَ ذَا عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدِ ... كَذَا عَنِ الثَّوْرِيِّ مُرْسِي السَّنَدِ
وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَنَجْلِ مَهْدِي ... وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَيَحْيَى (١) الْمَهْدِي
وَكُلُّ ذَا فِي غَيْرِ مَنْ يُتَّهَمُ ... وَإِنْ يَكُنْ فَطْرْحُهُ مُحَتَّمُ
وَهَكَذَا صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدِ ... كَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ الْمُسَدِّدِ
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثانية): في اختلاف أهل العلم في الرواية عن المبتدعة
اعلم: أنهم اختَلَفَوا قديمًا وحديثًا -كما قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى- في الرواية عن أهل الأهواء والبِدَعِ:
فمنعت طائفة من الرواية عنهم، ذُكر ذلك عن ابن سيرين، ومالك، وابن عيينة، والحميديّ، ويونس بن أبي إسحاق، وعلي بن حرب، وغيرهم. وأخرج ابن أبي حاتم، عن أبي إسحاق الفزاريّ، عن زائدة، عن هشام، عن الحسن قال: لا تسمعوا من أهل الأهواء.
ورخّصَتْ طائفة في الرواية عنهم إذا لم يُتَّهموا بالكذب، نُقل ذلك عن أبي حنيفة، والشافعيّ، ويحيى بن سعيد، وابن المدينيّ. وقال ابن المدينيّ: لو تركت أهل البصرة للقدر، وتركت أهل الكوفة للتشيّع، لخَرِبت الكتب.
وفرقت طائفة بين الداعية وغيره، فمنعوا الرواية عن الداعية إلى البدعة، دون غيره، منهم ابن المبارك، وابن مهديّ، وأحمد بن حنبل، وابن معين، وروي أيضًا عن مالك.
وللمانعين ثلاثة مآخذ:
الأول: تكفير أهل الأهواء، أو تفسيقهم، وفيه خلاف مشهور.
الثاني: الإهانة لهم، والهِجران، والعقوبة بترك الرواية عنهم، وإن لم نحكم بكفهم، أو فسقهم.
الثالث: أن الهوى والبدعة لا يُؤمَنُ معه الكذب، لا سيما إذا كانت الرواية مما تَعضِدُ هوى الراوي.
(١) هو ابن معين.