ويُنكر، ويقبّح صاحبها، فيكذّب، أو يستراب في روايته، فتسقط منزلته، ويذلّ في نفسه.
قال صاحب "فتح الملهم": انظر هل هذا خاصّ بما لا يعتقد صحّته، أو وإن اعتقدها، إذا كان يرى أنه لا يقبل منه، ويُردّ في وجهه؛ لأنه يضع من نفسه بغير فائدة، والثاني أظهر، ويدلّ عليه أثر ابن مسعود -رضي الله عنه- الذي بعده. قال: ولعلّ إياس بن معاوية أوصاه خاصّة بهذه الوصيّة النافعة؛ لأنه كان مولعًا بتفسير القرآن العظيم، والمشتغلون بالتفسير كثيرًا ما يتساهلون في الرواية والنقل، فنبّهه على التجنّب من هذه البليّة العظمى، وهذا من دلائل فطنة إياس المشهورة رَحِمَهُ اللهُ تعالى. انتهى (١). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال المصنف رَحِمَهُ اللهُ تعالى بالسند المتصل إليه في أول الكتاب:
١٤ - (وحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ، وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ، إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً).
رجال هذا الأثر سبعة:
١ - (أبو الطاهر) أحمد بن عمرو بن السَّرْح المذكور قبل حديثين.
٢ - (حَرْمَلة بن يحيى) بن عبد الله بن حرملة بن عمران التُّجِيبيّ، أبو حفص، وقيل: أبو عبد الله المصريّ، وهو صاحب الإمام الشافعيّ رَحِمَهُ اللهُ، وهو الذي يروي عن الشافعيّ كتابه المعروف في الفقه.
رَوَى عن ابن وهب فأكثر، وعن الشافعي ولازمه، وأيوب بن سُويد الرملي، وبشر ابن بكر، وأبي صالح عبد الغفار بن داود الحراني، ويحيى بن عبد الله بن بُكير، وغيرهم. ورَوَى عنه مسلم، وابن ماجه، وروى له النسائي بواسطة أحمد بن الهيثم الطَّرَسوسي، وأبو دُجانة أحمد بن إبراهيم المصري، وحفيده أحمد بن طاهر بن حرملة، وأبو عبد الرحمن، أحمد بن عثمان النسائي الكبير، رفيق أبي حاتم في الرحلة، وإبراهيم بن الجنيد، وبَقِيّ بن مَخْلَد، والحسن بن سفيان، وأبو زرعة، وأبو حاتم، ومحمد بن الحسن بن قتيبة، وغيرهم.
قال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يُحتج به. وقال الدُّوري عن يحيى شيخ لمصر، يقال له: حرملة كان أعلم الناس بابن وهب، وقال ابن عدي: سألت عبد الله بن محمد ابن إبراهيم الفرهاذاني أن يُملِي عليّ شيئا من حديث حرملة، فقال: يا بُني ما تصنع
(١) "فتح الملهم" بتصرف يسير ١/ ١٢٦.