عامّة؛ ليُزيله، ويولّي من يصلح، أو يعلم ذلك منه ليعامله بمقتضى حاله، ولا يغترّ به، وأن يسعى في أن يحثّه على الاستقامة، أو يستبدل به.
(الخامس): أن يكون مجاهرًا بفسقه، أو بدعته، كالمجاهر بشرب الخمر، أو مصادرة الناس، وأخذ المكس، وجباية الأموال ظلمًا، وتولي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما يُجاهر به، ويحرم ذكره بغيره من العيوب، إلا أن يكون لجوازه سبب آخر مما ذكرناه.
(السادس): التعريف، فإذا كان الإنسان معروفًا بلقب، كالأعمش، والأعرج، والأصمّ، والأعمى، والأحول، والأفطس، ونحو ذلك، جاز تعريفه بذلك بنية التعريف، ويحرم إطلاقه على جهة النقص، ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى.
فهذه ستة أسباب ذكرها العلماء مما تباح بها الغيبة على ما ذكرناه، وأكثر هذه
الأسباب مُجمَع على جواز الغيبة بها. وقد نظمت هذه الستة بقولي:
يَا طَالِبًا فَائِدَةً جَلِيلَهْ ... اعْلَمْ هَدَاكَ اللهُ لِلْفَضِيلَهْ
أَنَّ اغْتِيَابَ الشَّخْصِ حَيًّا أَوْ لَا ... مُحَرَّمٌ قَطْعًا بِنَصٍّ يُتْلَى
لَكِنَّهُ لِغَرَضٍ صَحِيحِ ... أُبِيحَ عَدَّهَا ذَوُو التَّرْجِيحِ
فَذَكَرُوهَا سِتَّةً تَظلَّمِ ... وَاسْتَفْتِ وَاسْتَعِنْ لِرَدِّ مُجْرِمِ
وَعِبْ مُجَاهِرًا بِفِسْقٍ أَوْ بِدَعْ ... بِمَا بِهِ جَاهَرَ لا بِمَا امْتَنَعْ
وَعَرِّفَنْ بِلَقَبٍ مَنْ عُرِفَا ... بِهِ كَقَوْلِكَ رَأَيْتُ الأَحْنَفَا (١)
وَحَذِّرَنْ مَنْ شَرِّ ذِي الشَّرِّ إِذَا ... تَخَافُ أَنْ يُلْحِقَ بِالنَّاسِ الأَذَى
وَفِي سِوَى هَذَا احْذَرَنْ لَا تَغْتَبِ ... تَكُنْ مُوَفَّقًا لِنَيلِ الأَرَبِ
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): في بيان أدلّة جواز الغيبة في المواضع الستة المذكورة:
(اعلم): أنه قد وردت نصوص كثيرة تدلّ على جواز الغيبة في هذه الأمور:
(فمنها): ما أخرجه الشيخان عن عائشة -رضي الله عنها-: أن رجلا استأذن على النبيّ - صلى الله عليه وسلم-، فلما رآه قال: "بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة"، فلما جلس تَطَلّق النبي -صلى الله عليه وسلم- في وجهه، وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل: قالت له عائشة: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين رأيت
(١) الأحنف من الحنف بفتحتين، وهو الاعوجاج في الرجل إلى داخل، وهو أيضًا الذي يمشي على ظهور قدميه. أفاده في "المصباح" ١/ ١٥٤.