الرجل قلت له: كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه، وانبسطت إليه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا عائشة متى عَهِدتني فحاشا، إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة، من تركه الناس اتقاء شره".
وقد استدلّ به البخاريّ رحمه الله تعالى على جواز غيبة أهل الفساد والرِّيَب، فقال في "صحيحه": "باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والرِّيَب"، ثم أورد الحديث المذكور.
(ومنها): ما أخرجاه أيضًا عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قسمة، فقال رجل من الأنصار: والله ما أراد محمد بهذا وجه الله، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته فتمعر وجهه، وقال: "رحم الله موسى، لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر". وفي بعض الروايات: قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: فقلت: لا أرفع إليه بعد هذا حديثًا. وقد احتجّ البخاريّ رحمه اللهُ تعالى بهذا في إخبار الرجل أخاه بما يقال فيه.
(ومنها): ما أخرجه البخاريّ عن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا". قال الليث: كانا رجلين من المنافقين.
(ومنها): ما أخرجه الشيخان عن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- قال: كنت في غَزَاة، فسمعت عبد الله بن أُبَيّ يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى ينفضوا من حوله، ولئن رجعنا من عنده ليُخرجن الأعز منها الأذل، فذكرت ذلك لعمي، أو لعمر، فذكره للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فدعاني، فحدثته، فأرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى عبد الله بن أبي وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، فكذبني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وصدقه، فأصابني هم لم يصبني مثله قط، فجلست في البيت، فقال لي عمي: ما أردت إلى أن كذبك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومقتك، فأنزل الله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} الآية المنافقون: ١، فبعث إلي النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقرأ، فقال: "إن الله قد صدقك يا زيد".
(ومنها): ما أخرجه مسلم عن فاطمة بنت قيس في قصّة طلاقها، وفيه: فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان، وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك، لا مال له ... " الحديث.
وقد سبق حديث قصّة هند مع زوجها أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما.
فهذه النصوص ونحوها تدلّ على جواز الغيبة لغرض شرعيّ، كما تبيّن إيضاحه في المسائل الست. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.