بعضهم فيخالفه، فيقال: شذ عنهم، وهذا صواب، ومع ذلك فلا يَخرُج الرجل بذلك عن العدالة؛ لأنه ليس بمعصوم من الخطإ والوهم، إلا إذا بُيِّنَ له خطؤه فأَصَرَّ. انتهى (١).
(الرابع): قال عثمان بن سعيد الدارميّ. سئل يحيى بن معين عن الرجل يُلقي الرجل الضعيف بين ثقتين، ويصل الحديث ثقة عن ثقة، ويقول: أنقص من الإسناد، وأصل ثقة عن ثقة، قال: لا تفعل لعلّ الحديث عن كذاب ليس بشيء، فإذا أحسنه إذا هو أفسده، ولكن يحدث بما رَوَى. قال عثمان: كان الأعمش ربما فعل هذا.
قال الحافظ: ظاهر هذا تدليس التسوية، وما علمتُ أحدًا ذكر الأعمش بذلك، فيُستفاد.
(الخامس): قال أبو مصعب الزبيري: سمعت مالكا يقول: لا تَحمِل العلم عن أهل البدع كلهم، ولا تَحمِل العلم عمن لم يُعرَف بالطلب، ومجالسةِ أهل العلم، ولا تحمل العلم عمن يَكذِب في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا عمن يكذب في حديث الناس، وإن كان في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- صادقًا؛ لأن الحديث والعلم إذا سُمع من الرجل، فقد جُعل حجةً بين الذي سمعه وبين الله تعالى، فلينظر عمن يأخذ دينه.
وقال علي بن المديني: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: ينبغي في صاحب الحديث أن يكون فيه خصال: أن يكون ثَبْتَ الأخذ، ويَفهَم ما يقال له، ويَتَبَصَّر الرجال، ثم يتعاهد ذلك.
وقال ابن مهدي: قيل لشعبة: مَنِ الذي يُترك حديثه؟ قال: إذا رَوَى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون، فأكثر، طُرِح حديثه، وإذا أكثر الغلط طُرح حديثه، وإذا اتُّهِم بالكذب طُرح حديثه، وإذا رَوَى حديثًا غلطًا مجتمعًا عليه، فلم يَتَّهِم نفسه عليه طُرح حديثه، وأما غير ذلك فارْوِ عنه.
وقال ابن مهدي: الناس ثلاثة: رجلٌ حافظٌ متقنٌ، فهذا لا يُختَلف فيه، والآخر يَهِم، والغالب على حديثه الصحة، فهذا لا يُترَك حديثه، ولو تُرِك حديث مثل هذا لذَهَب حديثُ الناس، والآخر يَهِم، والغالب على حديثه الوَهَم، فهذا يُترَك حديثه.
قال الحافظ: هذا أقسام الصادقين، أما من يتعمد الكذب فلم يتعرض له ابن مهدي في هذا التقسيم.
وقال ابن المبارك: يُكتَب الحديث إلا عن أربعة: غَلّاط لا يَرجِع، وكذّاب،
(١) المصدر السابق.