ثم أتبعته باختلاف الرواة فيه على شرطك، من أنك لا تُكَرِّر إلا لزيادة معنى، أو إسناد يقع إلى جنب إسناد؛ لعلة تكون هناك، فقلت: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدّثنا ليث رحمه الله وحدثنا محمد بن رُمْح، قال: أخبرنا الليث، عن ابن شهاب، عن عروة وعمرة ابنة عبد الرحمن: أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قالت: "إن كنت لأدخل البيت للحاجة، والمريض فيه، فما أسأل عنه إلا وأنا مارّة، وإن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليدخل عليّ رأسه، وهو في المسجد، فأُرجّله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفًا". وقال ابن رمح: "إذا كانوا معتكفين".
فقد بَيَّنَ الليثُ في حديثه عندك، وعند البخاري أنه له عنهما.
وقد كان يمكننا أن نقول: إنه عند ابن شهاب عن عروة وعمرة بهذا السياق الأتم، وعن عروة فقط مختصرًا، لولا ما أورده البخاري عن ابن شهاب عن عروة وعمرة مختصرًا أيضًا، وقد كفى الإمام أبو عبد الله البخاري مؤونة البحث، وبَيَّن أنه عند عروة مسموع من عائشة -رضي الله عنها-، فذكر رواية هشام عن أبيه، بإسقاط عمرة من طريق مالك وابن جريج، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة -رضي الله عنها-، ووقع في رواية ابن جريج من قول عروة: أخبرتني عائشة -رضي الله عنها-.
وذكر الحديث في "كتاب الحيض" من "صحيحه" في "باب غسل الحائض رأس زوجها وترجيله"، فقال: حدثنا إبراهيم بن موسى قال: أخبرنا هشام بن يوسف، أن ابن جريج أخبرهم قال: أنا هشام بن عروة، عن عروة أنه سئل أتخدمني الحائض، أو تدنو مني المرأة، وهي جنب؟ فقال عروة: كل ذلك علي هَيّن، وكل ذلك تَخدُمني، وليس على أحد في ذلك بأس، أخبرتني عائشة رضي الله عنها "أنها كانت تُرَجِّل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهي حائض، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينئذ مجاور في المسجد، يدني لها رأسه، وهي في حجرتها، فترجله وهي حائض".
فهذا نصّ جليٌّ على سماع عروة من عائشة -رضي الله عنها-، وذلك بخلاف ما اعتقده مسلم رحمه الله من انقطاع رواية مَنْ أسقط عمرة من الإسناد فيما بين عروة وعائشة -رضي الله عنها-.
ولم يقل فيه أحد: عن عروة عن عمرة إلا مالك رحمه الله، وأنس ابن عياض، عن عبيد الله بن عمر، عن الزهري، فتابع مالكًا، والجمهور على خلافهما، بَيَّنَ ذلك الإمام أبو الحسن الدارقطني في جزء له جمعه في الأحاديث التي خولف فيها مالك -رضي الله عنه-، فقال: روى مالك في "الموطإ" عن الزهري، عن عروة، عن عمرة، عن عائشة -رضي الله عنها-: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا اعتكف يُدني إليّ رأسه فأرجله".
خالفه عقيل بن خالد، ويونس بن يزيد، والليث بن سعد، فرووه عن الزهري،