قال صالح جزرة: أول من تكلّم في الرجال شعبة، ثم تبعه القطان، ثم أحمد ويحيى (١). وذكر أبو داود الطيالسيّ أنه رأى رجلًا يقول لشعبة: قل: حدّثني، أو أخبرني، فقال شعبة: فقدتُك وعدِمتك، وهل جاء بهذا أحدٌ قبلي (٢).
ومنهم: يحيى بن سعيد القطّان رَحِمَهُ اللهُ، فقد نُقل عنه قوله لما سئل: سمع زرارة (٣) ابن عباس؟ قال: ليس فيها شيء سمعت. وقال في عبد الرَّحمن بن زبيبة (٤): أظنه أدرك عبد الله بن عمرو، ولم يقل: سمعت بن عمرو، ولا رأيت. وقال: أبو سعيد الكوفي لم يقل: سمعت زيد بن أرقم، ونُقل عنه غير ذلك.
ومنهم: الشافعيّ رَحِمَهُ اللهُ، فقال: وكان قول الرجل: سمعت فلانًا يقول: سمعت فلانًا، وقوله: حدّثني فلان عن فلان سواءً عندهم لا يُحدّث واحد منهم عمن لقي إلا ما سمع منه، فمن عرفناه بهذه الطريق قبلنا منه: حدّثني فلان عن فلان (٥).
وقد فسّر أبو بكر الصيرفيّ في "شرح الرسالة" كلام الشافعيّ هذا بأنه يُشترَط ثبوت السماع لقبول العنعنة، وأنه إذا علم السماع فهو على السماع حتى يُعلَم التدليس، وإذا لم يُعلَم سمع أو لم يسمع وُقف، فإذا صحّ السماع فهو عليه حتى يعلم غيره. انتهى (٦).
ومنهم: الإمام يحيى بن معين رَحِمَهُ اللهُ، فقد سئل: يصح لسعيد بن المسيّب (٧) سماع من عبد الرَّحمن بن أبي ليلى؟ فقال: لا. وسئل: سمع طاوس (٨) من عائشة -رضي الله عنها- شيئًا؟ قال: لا أراه. وقال أيضًا: عطاء بن أبي رباح لم يسمع من ابن عمر شيئًا، ولكنه قد رآه، ولا يصح له سماع. وسئل: الزهري سمع من ابن عمر؟ قال: لا، قال: فرآه رؤية؟ قال: يشبه، ونُقل عنه غير هذا.
ومنهم: الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، فقد قال في يحيى بن أبي كثير: قد رأى أنسًا، فلا أدري سمع منه أم لا؟ . وقال: ابن جريج لم يسمع من طاوس ولا حرفًا، ويقول: رأيت طاوسًا. وقال: أبان بن عثمان (٩) لم يسمع من أبيه، من أين سمع منه؟ . وقال أيضًا: عطاء بن أبي رباح قد رأى ابن عمر، ولم يسمع منه. ونُقل عنه كثير من هذا القبيل.
(١) "تهذيب التهذيب" ٤/ ٣٤٥.
(٢) "مقدمة الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم ١/ ١٦٦.
(٣) لم يوصف بالتدليس.
(٤) لم يوصف بالتدليس.
(٥) "الرسالة" ص ٣٧٨ - ٣٧٩.
(٦) "شرح علل الترمذيّ" ١/ ٣٦٠.
(٧) لم يوصف بالتدليس.
(٨) قليل التدليس.
(٩) لم يوصف بالتدليس.