من الجهل بالله سبحانه، ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وشرائع الدين، والمفاخرة بالأنساب، والكبر، والتكبّر، وغير ذلك. انتهى (١).
(وَصَحِبَا) بكسر الحاء المهملة، من باب علم صُحْبَة بالضمّ (أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْبَدْرِيِّينَ) أي الصحابة الذين شهدوا وقعة بدر الكبرى. وقد تقدّم البحث عنها عند قول المصنّف: "ما حدّثنا الحسن عن بدريّ مشافهة الخ "، فلا تنس. (هَلُمَّ جَرًّا) أي استمرّت هذه الصحبة استمرارًا إلى أن وصلت إلى الطبقة المتأخرة من الصحابة، كأبي هريرة، وابن عمر رضي الله تعالى عنهم.
تنبيه: قال القاضي عياض رَحِمَهُ اللهُ تعالى: ليس هذا موضع استعمال "هَلُمَّ جرّا"؛ لأنها إنما تُستعمل فيما اتّصل إلى زمان المتكلّم بها، وإنما أراد مسلم، فمن بعدهم من الصحابة. انتهى (٢).
وقوله: "جرّا" منوّنٌ، قال صاحب "المطالع": قال ابن الأنباريّ: معنى "هلُمّ جرّا" سيروا، وتمهّلوا في سيركم، وتثبّتوا، وهو من الجرّ، وهو ترك النَّعَم في سيرها، فيُستعمل فيما دُووم عليه من الأعمال. قال ابن الأنباريّ: فانتصب "جرّا" على المصدر: أي جُرّوا جرّا، أو على الحال، أو على التمييز. انتهى (٣).
وكتب العلامة ابن عابدين رَحِمَهُ اللهُ تعالى في رسالته في إعراب الكلمات الغريبة بحثًا نفيسًا في هذه الجملة، فقال: ما حاصله:
قولهم: "هَلُمّ جَرًّا". "هَلُمّ" بمعنى تعال، وهو مركّبٌ من ها التنبيه، ومن لُمَّ: أي ضُمّ نفسك إلينا، واستُعمل استعمال البسيط، يستوي فيه الواحد والجمع، والتذكير والتأنيث، عند الحجازيين، كذا في "القاموس"، وسبقه إلى ذكره صاحب "الصحاح"، وتبعه الصغانيّ، فقالا: تقول: كان ذلك عام كذا، وهَلُمَّ جرّا إلى اليوم. انتهى. ولا يخفى عدم جريان ما قاله في "القاموس" في مثل هذا. وتوقّف الجمال بن هشام في كون هذا التركيب عربيًّا محضًا، وساق وجوه توقّفه في رسالة له، وأجاب عن ذكره في "الصحاح"، ونحوه، وذَكَر ما للعلماء في إعرابه، ومعناه، وما يَرِد عليه، ثم قال: فلنذكُر ما ظهر لنا في توجيه هذا اللفظ بتقدير كونه عربيّا، فنقول: "هَلُمَّ" هذه هي القاصرة التي بمعنى "ائت"، و"تعالَ"، إلا أن فيها تجوّزين:
أحدهما: أنه ليس المراد بالإتيان هنا المجيء الحسيّ، بل الاستمرار على
(١) "النهاية في غريب الحديث" ١/ ٣٢٣.
(٢) "إكمال المعلم" ١/ ١٨٢.
(٣) "شرح مسلم للنووي" ١/ ١٣٩.