فأخبرته، قال: فدعاه، فقال له مثل ذلك، وذكر له أنه يرجو في أثره الأجر، فقال له النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "إن لك ما احتسبت" (١).
وأما حديث أبي رافع، عن أبيّ -رضي الله عنه-، فهو ما أخرجه أحمد في "مسنده"، فقال:
حدثنا عبد الرَّحمن بن مهدي، وحسن بن موسى، وعفان، قالوا: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، وقال عفان: أخبرنا ثابت، عن أبي رافع، عن أبي بن كعب، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... وحدثنا عبد الله، حدثنا هُدْبة بن خالد، حدثنا حماد، عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبَيّ بن كعب: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فسافر سنة، فلم يعتكف، فلما كان العام المقبل، اعتكف عشرين يومًا". وأخرجه أبو داود في "سننه" في "كتاب الصوم" رقم (٢١٠٧)، وابن ماجه في "كتاب الصيام" برقم (١٧٦٠)، والحاكم في "المستدرك" ١/ ٤٣٩.
قال الشيخ المعلّمي رَحِمَهُ اللهُ تعالى: أقول: لم يُخرجه مسلم رَحِمَهُ اللهُ في "الصحيح"، وذلك يدلّ على توقّف له فيه؛ لأنه ليس هناك طريقٌ أخرى صحيحة يُوردها، ويَجعَل هذه متابعةً لها، والحديث في حكم وسنّة، وقد أنصف بذلك. انتهى (٢).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما قاله المعلّميّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى أن احتجاج المصنّف بحديث أبي عثمان، وأبي رافع على إلزام خصمه غير صحيح.
أما بالنسبة لحديث أبي عثمان عن أُبيّ -رضي الله عنه- فلثبوت تصريحه بسماعه منه، كما سبق آنفًا. وأما بالنسبة لحديث أبي رافع عن أبيّ -رضي الله عنه-، فلأنه ليس مما تلقّاه الأئمة بالقبول، وصححوه، بل حتى عند مسلم نفسه؛ لأن إعراضه عنه مع أنه حديث يحتوي على حكم وسنة لم يورد بدله في "صحيحه" دليلٌ على توقّفه في صحته. فتبصّر بإنصاف، ولا تتهوّر بالاعتساف. والله تعالى أعلم بالصواب.
(وَلَمْ نَسْمَعْ فِي رِوَايَةٍ بِعَيْنِهَا أَنَّهُمَا عَايَنَا أُبَيًّا، أَوْ سَمِعَا مِنْهُ شَيْئًا) يعني أنه لم يثبت صريحًا أنهما أخذاه سماعًا من أُبَيّ -رضي الله عنه-، مع أن أهل الحديث صححوه.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: أما بالنسبة لأبي رافع، فمقبول، وأما بالنسبة لأبي عثمان، ففيه نظر؛ لأنه ثبت في "مسند أحمد" تصريحه بأن أبيا -رضي الله عنه- حدَّثه به، ودونك نصّه:
٢٠٦٦ حدثنا سفيان، عن عاصم، عن أبي عثمان، عن أُبَيّ، قال: كان ابن عم
(١) انظر "صحيح مسلم" ١/ ٤٦١.
(٢) راجع "رسالة المعلمي في الأحاديث التي استشهد بها مسلم" ص ٣٦٣.