لي، شاسع الدار، فقلت: لو أنك اتخذت حمارا، أو شيئًا، فقال: ما يسرني أن بيتي مُطَنّبٌ ببيت محمد -صلى الله عليه وسلم- قال: فما سمعت عنه كلمة، أكره إلي منها، قال: فإذا هو يذكر الخطا إلى المسجد، فسأل النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إن له بكل خطوة درجة".
حدثنا علي بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا عاصم الأحول، عن أبي عثمان، حدثني أُبَيّ بن كعب، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أما إن لك ما احتسبت".
فثبت بهذا أن ما ادّعاه مسلم من عدم معاينة أبي عثمان لأبيّ -رضي الله عنه-، وعدم سماعه غير صحيح. فتنبّه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
قال رَحِمَهُ اللهُ تعالى:
(وَأَسْنَدَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ، وَهُوَ مِمَّنْ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ، وَكَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلًا، وَأَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَخْبَرَةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- خَبَرَيْنِ).
إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفقرة:
ذكر رَحِمَهُ اللهُ تعالى أيضًا مثالًا آخر لما ادّعاه من إلزامه خصمه، حيث ذكر أن أبا عمرو الشيبانيّ، وهو من كبار التابعين، ممن أدرك زمن الجاهليّة، وكان في عهده -صلى الله عليه وسلم- رجلًا بالغًا، وأبو معمر عبد الله بن سخبرة قد روى كلّ منهما عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاريّ البدري المتقدّم قريبًا، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- حديثين، أي ولم يثبت لدينا لقاؤهما له، وسماعهما منه، مع أن هذين الحديثين صحيحان عن أهل الحديث. هذا حاصل ما أشار إليه، وسيأتي ما فيه في الشرح التفصيليّ، إن شاء الله تعالى.
إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:
(وَأَسْنَدَ) أي روى حديثًا مرفوعًا إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- (أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ) هو: سعد بن إياس، أبو عمرو الشيباني الكوفي، روى عن ابن مسعود، وعلي، وحذيفة، وأبي مسعود البدري، وجَبَلَة بن حارثة، وزيد بن أرقم. وروى عنه أبو إسحاق السبيعي، والحارث بن شُبَيل، والوليد بن العيزار، والأعمش، ومنصور، وعيسى بن عبد الرَّحمن السلمي، وغيرهم.
قال إسماعيل بن أبي خالد عنه: تكامل شبابي يوم القادسية، فكنت ابن أربعين سنة، وكانت وقعة القادسية سنة (١٦). وقال أيضًا: بُعِث النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وأنا أرعى إبلا لأهلي بكاظمة. وقال ابن أبي خيثمة، عن ابن معين: ثقة. وقال ابن سعد: كان ثقة، وله أحاديث، ووثقه العجلي أيضًا. وقال هبة الله بن الحسن الطبري: مجمع على ثقته.
وقال إسماعيل بن أبي خالد: عاش عشرين ومائة سنة. فتكون وفاته سنة (٩٦).