مضطرا ومعه ما يطعمه، فاضلا عنه، ويكره بردئ، وليس منه: التصدق بالفلوس، والثوب الخلق، ونحوهما
ــ
بالحرس ففتشوه، وإذا بالقرصين معه، فقالوا له: من أين لك هذا؟ فقال: أطعمتني فلانة.
فانصرفوا به إليها، فقالوا لها: أنت أطعمته هذين القرصين؟ قالت: نعم.
قالوا لها: أو ما علمت أن الملك حرم إطعام المساكين؟ قالت: بلى.
قالوا: فما حملك على ذلك؟ قالت: رحمته، ورجوت أن يخفي ذلك.
فذهبوا بها إلى الملك، وقالوا: هذه أطعمت هذا
المسكين قرصين.
فقال لها: أنت فعلت ذلك؟ فقالت: نعم.
فقال لها الملك: أو ما كنت علمت أني حرمت إطعام المساكين؟ قالت: نعم.
قال: فما حملك على هذا؟ قالت: رحمته، ورجوت أن يخفي ذلك، وخفت الله فيه أن يهلك.
فأمر بقطع يديها، فقطعتا.
وانصرفت إلى منزلها، وحملت ابنيها حتى انتهت إلى نهر يجري، فقالت لأحد ابنيها: اسقني من هذا الماء.
فلما هبط الولد ليسقيها غرق، فقالت للآخر: أدرك أخاك يا بني، فنزل لينقذ أخاه، فغرق الآخر، فبقيت وحدها، فأتاها آت، فقال، يا أمة الله ما شأنك ههنا؟ إني أرى حالك منكرا فقالت: يا عبد الله، دعني، فإن ما بي شغلني عنك.
فقال: أخبريني بحالك.
قال: فقصت عليه القصة، وأخبرته بهلاك ولديها، فقال لها: أيما أحب إليك؟ أأرد إليك يديك؟ أم أخرج لك ولديك حيين؟ فقالت: بل تخرج ولدي حيين.
فأخرجهما حيين، ثم رد عليها يديها، وقال: إنما أنا رسول الله إليك.
بعثني رحمة لك، فيداك بقرصين، وابناك ثوابا لك من الله تعالى، برحمتك لذلك المسكين وصبرك على ما أصابك.
واعلمي أن زوجك لم يطلقك، فانصرفي إليه فهو في منزله، وقد ماتت أمه.
فانصرفت إلى منزلها، فوجدت الأمر كما قيل لها.
وما أحسن قول بعضهم: جعلت على لطفك المتكل * * وأعرضت عن فكرتي والحيل وما دام لطفك لي لم أخف * * عدوا إذا كادني أو خذل ولطفك رد الذي اختشى * * كما كشف الضر لما نزل ويا سيدي كم مضيق فرجت * * بلطف تيسره من عجل ملاذي ببابك لا حلت عنه * * ويا ويح من عنه يوما عدل وقفت عليه بذل السؤال * * وما خاب بالباب من قد سأل (قوله: وقد تجب) أي الصدقة.
أي وقد يعرض لها ما يجعلها واجبة، وقد يعرض لها أيضا ما يجعلها حراما، كأن علم أو ظن من الآخذ أنه يصرفها في معصية، وكالذي سيذكره المؤلف.
(قوله: كأن يجد مضطرا) الخ تمثيل للصدقة الواجبة، وفيه أن المضطر لا يجب البذل له إلا بثمنه، فكيف يكون صدقة.
وعبارة التحفة لا يقال تجب للمضطر، لتصريحهم بأنه لا يجب البذل له إلا بثمنه - ولو في الذمة - لمن لا شئ معه.
نعم، من لم يتأهل للالتزام يمكن جريان ذلك فيه، حيث لم ينو الرجوع.
اه.
ومثله في النهاية.
وكتب سم: قوله: يمكن جريان ذلك، ما نصه: فيه نظر دقيق.
فتأمله.
اه.
قال الرشيدي: وكأن وجه النظر أنه صار بالقيد المذكور مخيرا بين الصدقة وبين دفعه بنية الرجوع فلم تجب الصدقة عينا، فساوى المتأهل ومن له ولي حاضر، إذ لا خفاء أنه مخير فيه أيضا بين الصدقة وبين البذل بعوض.
اه.
(قوله: ومعه ما يطعمه) الواو للحال.
وما: واقعة على طعام.
والفعل يقرأ بضم أوله وكسر ثالثه - من أطعم.
والتقدير: والحال أن عنده طعاما يطعمه لذلك المضطر، فإن لم يكن عنده ذلك لا يجب عليه التصدق.
(وقوله: فاضلا عنه) منصوب على الحال من الضمير البارز في الفعل العائد على ما الواقعة على طعام.
أي حال كون ذلك الطعام فاضلا عنه، أي عن طعامه.
أي وطعام ممونه حالا، فإن لم يفضل عن ذل ك لا يجب التصدق به.
وفي التحفة - في باب السير - ما نصه: والحاصل أنه يجب البدل هنا - أي للمحتاجين - من غير اضطرار بلا بدل، لا مطلقا، بل مما زاد على كفاية سنة، وثم - أي في المضطر - يجب البذل بما لم يحتجه حالا ولو على فقير، لكن بالبدل.
اه.
بتصرف.
(قوله: ويكره