- بل ينبغي أن لا يأنف من التصدق بالقليل.
والتصدق بالماء أفضل: حيث كثر الاحتياج إليه - وإلا فالطعام.
ولو تعارض الصدقة حالا، والوقف.
فإن كان الوقت وقت حاجة وشدة: فالاول أولى، وإلا فالثاني لكثرة جدواه.
قاله ابن عبد السلام وتبعه الزركشي، وأطلق ابن الرفعة ترجيح الاول، لانه قطع حظه من المتصدق به حالا وينبغي - للراغب في الخير - أن لا يخلي (كل يوم) من الايام من الصدقة (بما تيسر) وإن قل، وإعطاؤها (سرا) أفضل منه جهرا.
أما الزكاة: فإظهارها أفضل - إجماعا - (و) إعطاؤها (برمضان): أي فيه - لا سيما في عشره
ــ
بردئ) أي يكره التصدق بردئ، كسوس، وذلك لقوله تعالى: * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) * (١) ومحل الكراهة إذا وجد غير الردئ، وإلا فلا.
(قوله: وليس منه الخ) أي وليس من التصديق بردئ التصدق بالفلوس، والثوب الخلق - أي البالي - وذلك لأن المراد بالردئ الردئ عرفا، وهذا ليس منه - كما في الكردي نقلا عن الإيعاب - وعبارته في الإيعاب الأقرب أن المراد: الردئ عرفا.
قال: ويؤيده أن التصدق بالفلوس والثوب الخلق ليس من الردئ.
اه.
(قوله: ونحوهما) أي نحو الفلوس والثوب الخلق من الشئ القليل كاللقمة واللقمتين.
(قوله: بل ينبغي أن لا يأنف الخ) أي لأن ما قبله الله كثير، ولآية * (فمن يعمل مثقال ذرة) * ولقوله عليه السلام: لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق.
(قوله: والتصدق بالماء أفضل) لخبر أبي داود.
أي الصدقة أفضل؟ قال: الماء، وخبر الترمذي: أيما مسلم سقى مسلما على ظمإ سقاه الله تعالى من الرحيق المختوم.
وخبر الشيخين: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بطريق يمنع منه ابن السبيل.
ورجل بايع رجلا لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه ما يريد وفى له وإلا لم يف له.
ورجل ساوم رجلا بسلعة بعد العصر فحلف بالله لقد أعطى بها كذا وكذا فأخذها.
(قوله: حيث كثر الاحتياج إليه) أي إلى الماء، وهو تقييد للأفضلية.
(قوله: وإلا) أي وإن لم يكثر الاحتياج إليه.
(قوله: فالطعام) أي أفضل، لأحاديث كثيرة واردة فيه، منها ما مر قريبا.
(قوله: ولو تعارض الصدقة حالا والوقف الخ) أي لو تعارض عليه كونه يتصدق بما عنده حالا أو يفقه، فهل الأفضل له الأول أو الثاني؟ في
ذلك تفصيل، وهو ما ذكره بقوله: فإن كان الوقت إلخ.
(قوله: فالأول) أي الصدقة حالا.
(وقوله: أولى) أي من الوقف، للحاجة إليه.
(قوله: وإلا) أي وإن لم يكن الوقت وقت حاجة وشدة.
(وقوله: فالثاني) أي وهو الوقف، أولى.
(قوله: لكثرة جدواه) أي نفعه، وذلك لأن الوقف عمل دائم لا ينقطع، للحديث المشهور.
(قوله: وأطلق ابن الرفعة) أي لم يقيد ذلك بكون الوقت وقت حاجة وشدة.
(وقوله: ترجيح الأول) أي الصدقة.
(قوله: لأنه) أي المتصدق.
(وقوله: قطع حظه من المتصدق به) أي قطع نصيبه من المتصدق به وعلقته وانتسابه له حالا.
بخلاف الوقف، فإنه - وإن خرج عن ملكه - له تعلق وانتساب به، لا سيما إن أوقفه على أولاده وأقاربه.
(قوله: وينبغي الخ) دخول على المتن.
(قوله: إن لا يخلي كل يوم) يحتمل جعل كل يوم مفعول به للفعل.
(وقوله: من الصدقة) متعلق به، ويحتمل جعله ظرفا، والصدقة مفعول به، ومن زائدة، والمعنى على الأول: ينبغي أن لا يهمل كل يوم من الصدقة.
وعلى الثاني: ينبغي أن لا يترك في كل يوم الصدقة.
(وقوله: من الأيام) متعلق بمحذوف صفة مؤكدة لكل يوم، ولو حذفه لكان أولى.
(وقوله: بما تيسر) متعلق بالصدقة.
وهذا كله باعتبار حل الشارح، فإن نظر للمتن بحسب ذاته، كان كل يوم ظرفا متعلقا بصدقة، وكذا قوله بما تيسر.
فتفطن.
(قوله: وإعطاؤها سرا أفضل) أي لآية: * (إن تبدوا الصدقات) * (١) إلخ، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - عد من السبعة الذين يستظلون بالعرش: من أخفى صدقته حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.
وتمام السبعة: إمام عادل.
وشاب نشأ في عبادة الله تعالى.
ورجل قلبه معلق بالمساجد.
ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه.
ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله.
ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه - وقد ورد أيضا أن ثواب صدقة السر يضاعف على ثواب الصدقة الظاهرة سبعين ضعفا.
وورد أيضا صدقة السر تطفئ غضب الرب.
وأي شئ أعظم من غضبه
(١) آل عمران: ٩٢.
(١) البقرة: ٢٧١