فقال: ومن هذا الذى يطمع في هذا الأمر أو يمدّ إليه عنقه؟ قال ابن عمر: فما حدّثتُ نفسى بالدنيا إلّا يومئذٍ فإنى هممتُ أن أقولَ: يَطْمَعُ فيه مَن ضربك وأباك عليه حتى أدْخَلَكُما فيه. ثمّ ذكرتُ الجنّة ونعيمها وثمارها فأعرضتُ عنه (١).
قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدىّ قال: أخبرنا مِسعَر بن كِدام عن أبي حصين أنّ معاوية قال: ومَن أحقّ بهذا الأمر منّا؟ فقال عبد الله بن عمر: فأردتُ أن أقولَ أحق منك مَن ضربك وأباك عليه، ثمّ ذكرتُ ما في الجنان فخَشيتُ أن يكون في ذاك فسادٌ (٢).
قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: حدّثنا حمّاد بن زيد عن مَعْمر عن الزهريّ قال: لما اجتُمِعَ على معاوية قام فقال: ومَن كان أحقّ بهذا الأمر منى؟ قال ابن عمر: فتهيّأتُ أن أقوم فأقول أحقّ به مَن ضربك وأباك على الكُفْر، فخَشيتُ أن يظنّ بى غير الذى بى.
قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: حدّثنا حمّاد بن زيد عن أيّوب عن نافع أنّ معاوية بعث إلى ابن عمر بمائة ألف، فلمّا أراد أن يبايع ليزيد بن معاوية قال: أرى ذاك أراد، إنّ دينى عندى إذًا لَرخيص.
قال: أخبرنا الفضل بن دُكين ومحمد بن عبد الله الأسدىّ قالا: حدّثنا سفيان عن محمد بن المنكدر قال: لما بويعَ يزيد بن معاوية فبلغ ذاك ابن عمر فقال: إن كان خيرًا رضينا وإن كان بلاء صبرنا.
قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاريّ قال: حدّثنا صَخْر بن جُويرية قال: حدّثنا نافع أنّ ابن عمر لما ابتزّ (٣) أهل المدينة بيزيد بن معاوية وخلعوه دعا عبدُ الله بن عمر بنيه وجمعهم فقال: إنّا بايعنا هذا الرجلَ على بَيْع الله ورسوله، وإنى سمعتُ رسول الله، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يقول: إنّ الغادر يُنْصَبُ له لواءٌ يومَ القيامة فيقول هذه غَدْرَةُ فلانٍ، وإنّ من أعظم الغَدْرِ -إلّا أن يكون الشرك بالله- أن يُبايعَ رجل
(١) المصدر السابق ص ٢٢٤.
(٢) نفس المصدر ص ٢٢٥.
(٣) كذا في ث، ل، وهى قراءة فيستنفلد أيضا. وقراءة دى خويه "انتزى" ولدى ابن الأثير في النهاية (بزز) بَزّه ثيابه وابتَزّه إذا سلبه إياها. ولديه (نزا) إن هذا انتَزَى على أرضى فأخذها، الانتزاء والتَّنَزِّى: تسرع الإنسان في الشر.