فَمَزَحَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَمْزَحُوا، وَوَقَفَ عَلَى أَصْحَابِ الدِّرْكِلَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ، فَقَالَ: "خُذُوا يَا بَنِي أَرْفِدَةَ " ١، لِيَعْلَمَ الْيَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً.
يُرِيدُ مَا يَكُونُ فِي الْعُرُسَاتِ، لِإِعْلَانِ النِّكَاحِ، وَفِي الْمَآدِبِ، لِإِظْهَارِ السُّرُورِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: "مَا أَنَا مِنْ دَدٍ وَلَا الْدَّدُ مِنِّي"، فَإِنَّ الْدَّدَ: اللَّهْوُ وَالْبَاطِلُ.
وَكَانَ يَمْزَحُ وَلَا يَقُولُ إِلَّا حَقًّا، وَإِذَا لَمْ يَقُلْ فِي مِزَاحِهِ إِلَّا حَقًّا، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْمِزَاحُ دَدًا وَلَا بَاطِلًا.
قَالَ لِعَجُوزٍ: "إِنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا الْعُجُزُ" ٢، يُرِيدُ أَنَّهُنَّ يَعُدْنَ شَوَابَّ.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُخْرَى: "زَوْجُكِ فِي عَيْنَيْهِ بَيَاضٌ"، يُرِيدُ: مَا حَوْلَ الْحَدَقَةِ مِنْ بَيَاضِ الْعَيْنِ، فَظَنَّتْ هِيَ أَنَّهُ الْبَيَاضُ الَّذِي يَغْشَى الْحَدَقَةَ.
وَاسْتَدْبَرَ رَجُلًا مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ: "مَنْ يَشْتَرِي مِنِّي الْعَبْدَ"؟
يَعْنِي: أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ.
وَدِينُ اللَّهِ يُسْرٌ لَيْسَ فِيهِ -بِحَمْدِ اللَّهِ، وَنِعْمَتِهِ- حَرَجٌ، وَأَفْضَلُ الْعَمَلِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ.
تَكْلِيفُ النَّفْسِ بِمَا تُطِيقُ:
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:
حَدَّثَنَا الزِّيَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن طحلا، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قل" ٣.
١ أرفدة: لقب لأبناء الْحَبَشَة وَقيل هُوَ اسْم لجد من جدودهم الأقدمين، ذكره فِي النِّهَايَة.
٢ مشكاة المصابيح: بَاب المزاح رقم الحَدِيث ٤٨٨٨.
٣ رَوَاهُ البُخَارِيّ: كتاب ١٩ بَاب ١٨ و٢٠ وَكتاب ٣٠ بَاب٢٠ و٤٨ و٥٥ و٥٧، وَمُسلم: كتاب ٦ ح٢١٩ و٢٢٣، وَكتاب ١٣ ح١٨١ و١٨٢، وَأَبُو دَاوُد: كتاب ٥ بَاب ٢٩ وَكتاب ١٤ بَاب ٥٤.
وكلف بِهِ: أولع، والتكليف: الْأَمر بِمَا يشق، وتكلفه: تجشمه.