وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ حِزَامٍ:
جَعَلْتُ لِعَرَّافِ الْيَمَامَةِ حِكْمَةً ... وَعَرَّافِ نَجْدٍ١ إِنْ هُمَا شَفَيَانِي
فَمَا تَرَكَا مِنْ رُقْيَةٍ يَعْلَمَانِهَا ... وَلَا سَلْوَةٍ إِلَّا بِهَا سَقَيَانِي
فَقَالَا شَفَاكَ الله وَالله مالنا ... بِمَا حَمَلَتْ مِنْكَ الضُّلُوعُ يُدَانِ
وَالسَّلْوَةُ حَصَاةٌ كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ الْعَاشِقَ إِذَا سُقِيَ الْمَاءَ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ، سَلَا وَذَهَبَ عَنْهُ مَا هُوَ بِهِ.
فَهَذَا هُوَ التِّرْيَاقُ الَّذِي كَرِهَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا نَوَى فِيهِ هَذِهِ النِّيَّةَ، وَذَهَبَ بِهِ هَذَا الْمَذْهَبَ.
فَأَمَّا مَنْ شَرِبَهُ، وَهُوَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ مِنَ الدَّوَاءِ، يُؤَمِّلُ نَفْعَهُ وَيَخَافُ ضُرَّهُ، وَيَسْتَشْفِي اللَّهَ تَعَالَى بِهِ، فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي التِّرْيَاقِ لُحُومُ الْحَيَّاتِ فَإِن بن سِيرِينَ كَانَ يَكْرَهُهُ، إِذَا كَانَتْ فِيهِ الْحُمَّةُ، يَعْنِي: السُّمَّ الَّذِي يَكُونُ فِي لُحُومِهَا.
وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ الرُّقَى، يُكْرَهُ مِنْهَا مَا كَانَ بِغَيْرِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ، وَبِغَيْرِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَذِكْرِهِ وَكَلَامِهِ فِي كُتُبِهِ، وَأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهَا نَافِعَةٌ لَا مَحَالَةَ.
وَإِيَّاهَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ: "مَا تَوَكَّلَ مَنِ اسْتَرْقَى".
وَلَا يُكْرَهُ مَا كَانَ مِنَ التَّعَوُّذِ بِالْقُرْآنِ، وَبِأَسْمَاءِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ، وَلِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مِنْ صَحَابَتِهِ رَقَى قَوْمًا بِالْقُرْآنِ، وَأَخَذَ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا: "مَنْ أَخَذَ أَجْرًا بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ فَقَدْ أخذت برقية حق"٢.
١ وَفِي نسختين: "وعراف حجر".
٢ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد: بُيُوع ٣٧ وطب ١٩، وَأحمد ٣/ ٢ و١٠ و٤٤.