التِّرْيَاقُ:
وَمِمَّا يُشْبِهُ الْكَيَّ فِي حَالَتَيْهِ، التِّرْيَاقُ١، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا أُبَالِي مَا أَتَيْتُ، إِنْ أَنَا شَرِبْتُ تِرْيَاقًا، أَوْ تَعَلَّقْتُ تَمِيمَةً، أَوْ قُلْتُ الشِّعْرَ مِنْ نَفْسِي"٢.
وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَسْمَعُ بِالتِّرْيَاقِ الْأَكْبَرِ وَأَنَّهُ يَكُونُ فِي خَزَائِنِ مُلُوكِ فَارِسَ وَالرُّومِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَنْفَعِ الْأَدْوِيَة وَأَصْلَحهَا الْعِظَام الْأَدْوَاءِ، فَقَضَتْ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ شِفَاءٌ لَا مَحَالَةَ، فَكَنَّوْا بِهِ عَنْ كُلِّ نَفْعٍ وَقَضَوْا بِأَنَّهُ يَدْفَعُ الْمَنِيَّةَ حِينًا، وَيَزِيدُ فِي الْعُمُرِ، وَيَقِي الْعَاهَاتِ.
قَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ خَمْرًا:
سَقَتْنِي بِصَهْبَاءَ دِرْيَاقَةٍ٣ ... مَتَى مَا تَلِينُ عِظَامِي تَلِنْ
فَكَنَّى عَنِ الشِّفَاءِ بِالدِّرْيَاقِ، كَأَنَّهُ قَالَ: سَقَتْنِي بِخَمْرٍ شِفَاءٍ مِنْ كُلِّ دَاءٍ كَأَنَّهَا دِرْيَاقٌ.
وَشَبَّهَ الْمُتَشَبِّبُونَ رِيقَ النِّسَاءِ بِالدَّرْيَاقِ، يُرِيدُونَ أَنَّهُ شِفَاءٌ مِنَ الْوَجْدِ، كَالدِّرْيَاقِ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا، أَنَّهُ قَرَنَ شُرْبَ الدِّرْيَاقِ بِتَعْلِيقِ التَّمَائِمِ، وَالتَّمَائِمُ خَرَزُ رُقُطٍ، كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَجْعَلُهَا فِي الْعُنُقِ وَالْعَضُدِ، تَسْتَرِقِي بِهَا، وَتَظُنُّ أَنَّهَا تَدْفَعُ عَنِ الْمَرْءِ الْعَاهَاتِ، وَتَمُدُّ فِي الْعُمُرِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
إِذَا مَاتَ لَمْ تُفْلِحْ مُزَيْنَةُ بَعْدَهُ ... فَنُوطِيَ عَلَيْهِ يَا مُزَيْنُ التَّمَائِمَا
يَقُولُ: عَلِّقِي عَلَيْهِ هَذَا الخرز، لتقيه الْمنية.
١ الترياق: بِالْكَسْرِ دَوَاء مركب، اخترعه مَا غنيس وتممه أندروماخس الْقَدِيم بِزِيَادَة لُحُوم الأفاعي فِيهِ، وبا كمل الْغَرَض، وَهُوَ مسمية بِهَذَا لِأَنَّهُ من لدغ الْهَوَام السبعية، وَهِي باليوانانية ترياء، نَافِع من الْأَدْوِيَة المشروبة السمية.
٢ أخرجه الألباني فِي ضَعِيف الْجَامِع الصَّغِير برقم ٤٩٧٨، عَن ابْن عَمْرو وَتَخْرِيج الْمشكاة برقم ٤٥٥٤.
٣ الدرياق: هُوَ الترياق وَالْخمر. "الْقَامُوس".