الإيمان مما لا يحتمل الثنيا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا):
قيل: قولهم: (فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا): التي كانت فيما مضى من عمرنا، (وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا)، أي: اعصمنا فيما بقي من عمرنا، أو: وفقنا للحسنات التي تكفر سيئاتنا؛ لما قد يلزم العبدَ التكفيرُ لما أساء.
وقيل: المغفرة والتكفير كلاهما سواء؛ لأن المغفرة هي الستر، وكذلك التكفير " ولذلك سُمِّي الحراثون: كفارًا؛ لسترهم البذر في الأرض؛ وكذلك الكافر سمى كافرًا؛ لستره الحق بالباطل، ولستره جميع ما أنعم اللَّه عليه بتوجيه الشكر إلى غيره، والله أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ):
يحتمل قوله: (وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ)، أي: توفنا واجعلنا مع الأبرار. ويحتمل: وتوفنا من الأبرار وفي الأبرار.
ثم اختلف في البَرِّ: قيل: هو الذي لا يؤذى أحدًا، وقيل: الأبرار: الأخيار.
ويحتمل: توفنا على ما عليه توفيت الأبرار، وتوفنا وإنَّا أبرارٌ. والبر: الطاعة، والتقوى: ترك المعصية.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ (١٩٤)
قيل فيه بوجهين:
قيل: وآتنا ما وعدتنا على ألسن رسلك، على إضمار " ألسن " كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا).
وقيل: (مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ)، أي: ما جعلت عليهم من الاستغفار للمؤمنين؛ كقوله: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)، وكقول إبراهيم - عليه السلام -: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ)، وكقول نوح - عليه السلام -: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ).
ثم بيننا وبين المعتزلة كلام في الآية: قالت المعتزلة: يجوز الدعاء والسؤال عنه بما قد أعطى، وما عليه أن يعطي نحو ما ذكر من السؤال بما وعد، وما وعد لا شك أنه يعطي،