وأنه لا يخلف الميعاد، ونحو قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ)، وهو لا يحكم بالجور.
وأما عندنا: أن السؤال عما عليه أن يعطي - يخرج مخرج الدعاء له ربنا لا تَجُر ولا تَظْلم، إن هذا لا يقال إلا لمن يخاف الجور منه والظلم؛ إذ يعلم أن ذلك عليه، والسؤال عما قد أعطى محال؛ لأنه يخرج مخرج كتمان ما أعطى، أو ليس عنده ما يعطيهم؛ فيخرج مخرج السخرية به؛ لذلك بطل السؤال، واللَّه أعلم.
ثم تأويل الآية عندنا على وجوه:
أحدها: قوله: (وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ)، يحتمل أن يكون الوعد منه لرسله باستغفار الرسل، إذا كان من المؤمنين استغفار وسؤال؛ كقوله: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ. . .) الآية: وعد لهم المغفرة لهم باستغفار الرسول؛ إذا كان منهم استغفار وسؤال، يقول: اجعل دعائي دعاء من جاء إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مستغفرًا فاستغفر له، وكقوله -أيضًا-: (لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا).
والثاني: يحتمل أن يكون الوعد لهم؛ إذا ماتوا على ذلك، فالدعاء كان منهم، والسؤال: أنه إذا أماتهم يميتهم على الإيمان، على ما كانوا أحياء، والمغفرة والرحمة حينئذ تكون لهم؛ ألا ترى أنه قال: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ)، فله كذا، ولم يقل: من عمل بها فله كذا، ولكن ذكر مجيئه بها، فعلى ذلك الأوَّل، واللَّه أعلم.
ثم يحتمل ما ذكرنا، واللَّه أعلم.
وفيما ذكر من تأويل الآية في الابتداء كفاية من ذلك، واللَّه أعلم.
والثالث: يدعو؛ ليجعلهم من الجملة الذين كان لهم الوعد؛ إذ الوعد غير مُبَيّنٍ لمن هو؛ فسألوا أن يجعلهم في تلك الجملة، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (١٩٥)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ)
هذا يدل أن الوعد لهم كان مقرونًا بشرط السؤال؛ لأنه قال: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ)،