إلى آخر ما ذكر.
وفي الآية دلالة نقض قول المعتزلة؛ لأنهم لا يسمون صاحب الكبيرة مؤمنًا، وهو قد آمن باللَّه ورسله ولم يفرق بين أحد من رسله؛ فدخل في قوله - تعالى -: (أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ) وهم يقولون: لا يؤتيهم أجورهم.
(وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا).
أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أنه لم يزل غفورًا رحيمًا، وهم يقولون: لم يكن غفورا رحيما ولكن صار غفورا رحيمًا، وباللَّه العصمة.
* * *
قوله تعالى: (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (١٥٣) وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (١٥٤) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (١٥٥)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ).
قيل في أحد التأويلين: كان يريد كل أحد منهم أن يأتي إلى كل رجل منهم بكتاب: أن محمدًا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وهو كقوله - سبحانه وتعالى -: (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً)، وكقوله - تعالى -: (وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ).
وقيل: سألوا أن يأتيهم بكتاب جملة مثل التوراة؛ مثل قولهم: (لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً)، كما أنزلت التوراة على موسى جملة واحدة؛ لأنهم يقولون: إن هذا القرآن من اختراع مُحَمَّد واختلاقه؛ لأنه لو كان من عند اللَّه نزل، لنزل جملة كما نزلت التوراة جملة غير متفرقة؛ فأخبر أنهم: (سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً)، وقد سألوا محمدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مثل سؤال أُولَئِكَ موسى، وهو قوله: (لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا)، يعزي - عَزَّ وَجَلَّ - رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ويصبره على أذاهم، يقول - واللَّه أعلم -: إنهم سألوا آيات على رسالته، فأتى بها، فلم يؤمنوا به، يخبر