أن سؤالهم سؤال تعنت، لا سؤال استرشاد؛ لأن سؤالهم لو كان سؤال استرشاد - لكان إذا أُتُوا بها قبلوها؛ ولذلك أخذهم العذاب بقوله - تعالى -: (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ)؛ لأنهم كانوا يسألون سؤال تعنت، لا سؤال رشد.
وفي الآية دلالة أن المسئول لا يلزمه الدليل على شهوة السائل وإرادته؛ ولكن يلزمه أن يأتي بما هو دليل في نفسه.
وفيه دلالة له -أيضًا- أن المجوس ليسوا من أهل الكتاب؛ لأنه لما قال: (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ. .) - لم يخطر ببال أحد أنه أراد المجوس بقوله: (أَهْلُ الْكِتَابِ)، واللَّه أعلم. فبطل قول من قال: بأنهم من أهل الكتاب، والله أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ)
الصاعقة: هي العذاب الذي فيه الهلاك، وقد ذكرناه فيما تقدم، وإنما أخذهم العذاب بكفرهم بموسى بعد ما أتاهم موسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بآيات الرسالة، لا بسؤالهم الرؤية؛ لأنه لو كان ما أخذهم من العذاب إنما أخذ بسؤال الرؤية، لكان موسى بذلك أولى؛ حيث قال: (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ)؛ فدل أن العذاب إنما أخذهم بتعنتهم وبكفرهم بعد ظهور الآيات لهم أنه رسول اللَّه، وذلك قوله - تعالى -: (ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ) يخبر نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عن شدة تعنتهم في تكذيب الرسل، وكثرة تمردهم وسفههم؛ ليصبر على أذى قومه، ولا يظن أنه أول مكذَّب من الرسل.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا)
قيل: السلطان المبين يحتمل الآيات التي أراهم، ما يعقل كل أحد -إن لم يعاند ولا كابر- أنها سماوية؛ إذ هي كانت خارجة عن الأمر المعتاد بين الخلق، من نحو: اليد البيضاء، والعصا، وفرق البحر، وغير ذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ ... (١٥٤)
حين لم يقبلوا التوراة؛ فعند ذلك قبلوا، ثم أخذ عليهم الميثاق بذلك، وهو ما ذكرنا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ).
عن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: (وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ)، يقول: لا