تأتيهم الملائكة وتأتيه، قالوا: كيف يخَصُّ هو بإتيان الملائكة دوننا وهو كواحد منا؛ كقوله: (لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)، وهذا جائز أن يكون أسئلة لم تذكر، ويكون في الجواب بيان ذلك، على ما ذكرنا من قبل في غير موضع.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ (١٠)
يصبر رسوله على تكذيب قومه ليعلم أنه ليس هو أول مكذب، ولكن قد كذب الرسل الذين من قبلك، ويخبره أنه يلحق هَؤُلَاءِ بتكذيبك كما لحق أُولَئِكَ بتكذيبهم الرسل.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَحَاقَ).
قال أَبُو عَوْسَجَةَ: " حاق " أي: رجع، يقال: حاق يحيق حيقًا، أي: رجع عليهم.
وقال الكيساني: حاق بهم أي: أحاط بهم ونزل.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١١) ليس على الأمر بالسير في الأرض، ولكن على الاعتبار والتفكر فيما نزل بأُولَئِكَ بتكذيبهم الرسل؛ لأنه - عَزَّ وَجَلَّ - أراهم آيات عقلية وسمعية، فلم ينفعهم ذلك، فأراد أن يريهم آيات حسية ليمنعهم ذلك عن التكذيب والعناد.
* * *
قوله تعالى: (قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٢) وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣)
قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ).
يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يخرج مخرج البيان لهم وأنه ليس على الأمر؛ لأنه لو كان على الأمر لكان يذكر سؤاله لهم، ولم يذكر وإن سألهم، لا يحتمل ألا يخبروه بذلك، فلما لم يذكر