وكقوله: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ): ذكر هذا - واللَّه أعلم - أنكم إذا مسكم الشدائد والبلايا لا تضرعون إلى الذين تشركون في عبادته وألوهيته، فكيف أشركتم أُولَئِكَ في ربوبيته في غير الشدائد والبلايا، (وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (٤١)، أي: تتركون ما تشركون باللَّه من الآلهة؛ فلا تدعونهم أن يكشفوا عنكم؟
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ ... (٤٢)
اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: البأساء: الشدائد التي تصيبهم من العدو، والضراء: ما يحل بهم من البلاء والسقم السماوي.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: البأساء: هو ما يحل بهم من الفقر والقحط والشدة.
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قوله، (فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ): الزمانة والخوف، (وَالضَّرَّاءِ): البلاء والجوع.
(لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ).
أي: ابتلاهم بهذا، أو امتحنهم لعلهم يتضرعون، ويرجعون عما هم عليه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا ... (٤٣)
يذكر في ظاهر هذا أنه قد أصابهم البلاء والشدة، ولم يتضرعوا ولكن قست قلوبهم، ويذكر في غيره من الآيات أنه إذا أصابهم البلاء والشدائد تضرعوا ورجعوا عما كانوا عليه؛ وهو كقوله - تعالى -: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ)، وقوله: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ)، وغيرهما من الآيات. لكن يحتمل هذا وجوهًا:
أن هذا كان في قوم، والأول كان في قوم آخرين، وذلك أن الكفرة كانوا على أحوال ومنازل: منهم من كان على حال، فإذا أصابه خير اطمأن به، وإذا زال عنه وتحول تغير؛ وهو كقوله - تعالى -: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ. . .) الآية. ومنهم من يتضرع ويلين قلبه إذا أصابه الشدة والبلاء، وعند السعة والنعمة قاسي القلب معاند؛ وهو كقوله: (دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ. . .) إلى آخر الآية؛ وكقوله - تعالى -: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ). ومنهم: من