والكافر لم يكتسب من ذلك شيئًا؛ فهو كالميت الذي لا يبصر ولا يسمع الحق ولا يعقل.
ويحتمل هذا المثل وجهًا آخر، وهو أن المؤمن يكتسب في الدنيا الخيرات، والأعمال الصالحة، ويكون له نور في الآخرة بالأعمال التي اكتسب في الدنيا، ويمشي بنور ذلك فيما بين الناس في الآخرة، وأما الكافر فإنه لم يكتسب من ذلك شيئًا؛ فيبقى في الظلمات، كقوله: (قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ): والمعتزلة يقولون: هم جعلوا لأنفسهم نورا يمشون به في الناس، وقد أخبر أنه هو الذي يجعل لهم ذلك النور؛ فذلك تحريف منهم ظاهر للقرآن.
وكذلك قوله: (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)؛ وهم يقولون: هو قدير على بعض الأشياء.
وقال: (خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ): وهم يقولون: هو خالق بعض الأشياء.
وقال: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ)، وهم يقولون: يشاء ألا يفعلوا ما فعلوا، ولكن فعلوا غير ما شاء اللَّه.
وكذلك قوله: (جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا): وهم يقولون: لم يجعل لكل نبي عدوا وهم جعلوا أنفسهم لهم أعداء.
وكذلك قوله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا):
وهم يقولون: جعل الأكابر فيها؛ لئلا يمكروا فيها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: كما زينا للمؤمنين عبادة اللَّه كذلك زينا للكافرين عبادة اللَّه، لكنهم عاندوا وصرفوا العبادة إلى غير اللَّه، وهو تأويل المعتزلة.