يمكروا أفيها، لكنهم مكروا فيها لما ذكرنا.
لكن قوله: (جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا) ليكون أدعى وأظهر للحجج؛ لأنه لو كان بعث الرسل أكابر لكان الناس يتبعون الأكابر وإن لم يأتوا بالحجج وغيرهم لا يتبعون إلا بالحجج والآيات.
ومنهم من يقطع قوله: (لِيَمكُرُوا فِيهَا) عن قوله: (جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ)، يقول: معناه: وكذلك جعلنا في كل قرية مجرميها أكابر، ثم قال: (لِيَمْكُرُوا فِيهَا)، أي: ما جعل ذلك لهم ليمكروا.
ومنهم من يقول: هو إخبار عمَّا إليه صار أمرهم؛ كقوله: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا): وهم لم يلتقطوه ليكون لهم عدوا وحزنًا؛ إنما التقطوه ليكون لهم وليًّا، لكنه لما صار في العاقبة عدوا لهم أخبر عما آل إليه أمره؛ فعلى ذلك قوله: (لِيَمْكُرُوا فِيهَا): أخبر عما إليه صاروا من المكر.
وعندنا: لا يخلو هذا إما أن يقال: إنه يخلقهم لغير المكر والضلال، وهو يعلم أنهم لا يكونون لما يخلقهم؛ فذلك ليس فعل حكيم: أن يعمل عملا يعلم أنه لا يكون، نحو: من يبني بناء يعلم أنه لا يسكن، أو يقصد قصد موضع يعلم أنه لا يصل إليه؛ فهو بالقصد عابث ليس بحكيم؛ فعلى ذلك اللَّه - سبحانه - لا يجوز أن يخلقهم للهدى والعبادة له مع علمه أنهم لا يكونون لما يخلقهم، أو أن يخلقهم لذلك وهو لا يعلم أنهم يكونون كذلك؛ فهو جهل بالعواقب؛ فاللَّه يتعالى عن ذلك؛ فدل أنه خلقهم ليكونوا على ما علم أنهم يكونون ويختارون ذلك.
وقوله: (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا): كان عند اللَّه أنهم يلتقطونه ليكون لهم عدوًّا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ).
أي: ما يشعرون أن عاقبة مكرهم ترجع إليهم أو واقع فيهم.
وأصله أن اللَّه - تعالى - جعلهم وخلقهم على ما علم منهم أنهم يختارون ويكون