بذلك؛ لما كان ضرر أعمالهم ومنافعها ترجع إليهم لا إليه.
قوله تعالى: (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (١٣٣) إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (١٣٤) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (١٣٥)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ)، هذا يرد على الثنوية مذهبهم؛ لأنهم يقولون: إنه إنما - خلق الخلائق لمنافع نفسه؛ لأنه ليس بحكيم من فعل فعلا لا يقصد منفعة نفسه، فأخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أنه غني بذاته، وإنما يقصد غيره المنفعة بفعله لحاجة تقع له، وضرورة تصيبه يقصد بالفعل، قصد قضاء الحاجة ودفع الضرورة عن نفسه.
فأما اللَّه - سبحانه وتعالى - فهو الغني بذاته، إنما خلق الخلائق لمنافع أنفسهم، وهو غني عن خلقه على ما أخبر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ).
يحتمل: غني عن تعذيب أُولَئِكَ الكفرة، أي: لا لمنفعة له في تعذيبهم يعذبهم أو لحاجة له؛ ولكن الحكمة توجب ذلك. أو أن يكون صلة قوله: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ).
يقول: لم يرسل إليكم، ولا امتحنكم بالذي امتحنكم لحاجة نفسه أو لمنفعة له؛ إذ هو غني بذاته.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذُو الرَّحْمَةِ).
يحتمل وجهين:
يحتمل: ذو الرحمة فلا يعجل عليهم بالعقوبة.
والثاني: ذو الرحمة لما خلق الخلائق، وجعل لبعض ببعض الانتفاع بهم والاستمتاع، وإنما خلقهم لمنافع أنفسهم.
ويحتمل قوله: (ذُو الرَّحْمَةِ): مَنْ قَبِلَ رحمته صار أهلا لها، فأما من لم يقبل رحمته فإنه ذو انتقام منه.