فمن هنا وقع له ذلك أنها خير من الطين، فيقال: إن النار وإن جعلت لصلاح الأغذية؛ فالطين جعل لوجود الأغذية فالذي جعل لوجود الشيء هو أنفع وأكبر مما جعل لمصالحه، ولعل الأغذية تصلح للأكل بغيرها بالشمس وغيرها.
وبعد فإن الطين مما يقوم للنار ويطفئها ويتلفها، والنار لا تقوم للطين ولا تتلفه؛ فإذا كان كذلك فلا يجوز أن يقع من هذا الوجه أنها أفضل وأخير من الطين.
ثم اختلف في الجهة التي كفر عدو اللَّه إبليس:
قَالَ بَعْضُهُمْ: إن إبليس عدو اللَّه لم ير لله على نفسه طاعة بأمر السجود لآدم؛ لذلك كفر.
وقال آخرون: إنما كفر عدو اللَّه لما لم ير الأمر بالخضوع والطاعة ممن فوقه لمن دونه حكمة؛ فكفر لما لم ير أنه وضع الأمر بالسجود موضعه، بل رآه - لعنه اللَّه - واضعًا أمرًا في غير موضعه.
وقال غيرهم: كفر عدو اللَّه بالاستكبار والتكبر على آدم لا لمعنى آخر.
وقيل: أول من أخطأ في القياس وزل فيه إبليس لعنه اللَّه.
وقوله عَزَّ وَجَلَّ: (فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا ... (١٣)
اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (فَاهْبِطْ مِنْهَا)، يعني من السماء؛ لأنه لعنه اللَّه كان في السماء، فأمر بالهبوط منها؛ لما جعل السماء معدنًا ومكانًا للخاضعين المتواضعين، فأمر بالهبوط منها إلى مكان جعل ذلك المكان مكان الخاضعين والمتكبرين جميعًا وهي الأرض، والأرض معدن الفريقين جميعًا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الأمر بالهبوط منها أمر بالخروج من الأرض إلى جزائر البحور؛ لأن الأرض هي قرار أهلها وجزائر البحور ليست مكان قرار لأحد؛ ليكون فيها على