بالاكتساب، ولم يكتسبوها، إنما لهم الحواس الظاهرة.
أو يقول: شر الدواب التي لم ينتفعوا بالذي ذكر من الحواس، وتركوا استعمالها، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣)
قيل: نزلت الآية في المردة من الكفرة.
وقال ابن عَبَّاسٍ: هم نفر من بني عبد الدار، كانوا يسألون رسول اللَّه آية بعد آية، وقد أعطاهم آية بعد آية قبل ذلك لم يقبلوها، فقال: (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ) أنهم يقبلون جواب المسائل التي سألوا، لأوحى إليهم ولأسمعهم، ولكن علم أنهم وإن أسمعهم جواب مسائلهم - لا يقبلون.
وقالت المعتزلة: دلت الآية أنه قد أعطاهم جميع ما كان عنده، لكنهم لم يقبلوا؛ لأنه قال: (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ)، فدل أنه لم يكن عنده ما يعطي، وإلا لو كان عنده ما يقبلون لأسمعهم.
لكن هذا بعيد؛ لأنه لم يقل: لو علم اللَّه عنده خيرًا لأسمعهم، ولكن قال: (وَلَو عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا)، فإنما نفى أن عندهم خيرًا.
والوجه فيه ما ذكرنا أنه لو علم فيهم خيرًا يعملون به لأوحى إليهم وأسمعهم، لكنه علم أنهم لا يقبلون بقوله: (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ)، أي: مكذبون بجواب ما سألوا تعنتًا وتمردًا منهم، وأخبر أنهم يسألون سؤال تعنت وتمرد، لا سؤال استرشاد.
* * *
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ