قال بعض أهل التأويل: الآية نزلت في شأن رجل منافق قال يومًا: واللَّه، لئن كان ما يقول مُحَمَّد حقا لنحن شر من الحمير. فسمع ذلك غلام وهو ربيب ذلك القائل، فقال له: تُبْ إلى اللَّه. وجاء الغلام إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، فأخبره، فأرسل إليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، فأتاه، فجعل يحلف: ما قال ذلك؛ فنزلت الآية فيه: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا. . .).
لكن غير هذا كان أشبه؛ لأن الآية: (وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ) وقول الرجل: لئن كان ما يقول مُحَمَّد حقا لنحن شر من الحمير - هذا القول نفسه ليس هو كلام كفر؛ إنما كلامُ ذم، ذمَّ به نفسه في الآية (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ) وفهو قول جماعة.
وقيل: نزل في شأن عبد اللَّه بن أبي، قال أصحابه: فواللَّه، ما مثلنا ومثل مُحَمَّد إلا كما قال القائل: " سمّنْ كلبك يأكلك "، وقال: (لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ)، فأخبر النبي بذلك، فدعاه فسأله فجعل يحلف باللَّه ما قاله.
ولكن يشبه أن تكون الآية صلة قوله: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ. . .) الآية. كانوا يستهزءون باللَّه وبآياته وبرسوله، والاستهزاء بذلك كفر، أو أن قالوا قول كفر لم يبين اللَّه لنا ذلك فلا أنهم قالوا كذا؛ لما ليس لنا إلى معرفة ذلك القول الذي قالوه حاجة.
وقوله: (وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ):
يحتمل: كفروا بعد ما أسلموا إسلام تَقِيَّة.
ويحتمل قوله بعد ما أظهروا الإسلام، أي: رجعوا عما أظهروا من الإسلام.
وفي الآية دلالة أن الإسلام والإيمان واحد؛ لأنه قال: (وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ) وقال في آية أخرى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ)، ثم قال: (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ)، وقال في آية أخرى: (كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا)؛ فدل أن الإسلام والإيمان واحد.
وقوله: (وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا).