قيل: هموا بقتل رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - والمكر به، فلم ينالوا ما هموا به.
وفيه دلالة إثبات الرسالة؛ لأنهم أسروا ما هموا به، ثم أخبر عن ذلك وهو غيب، دل أنه باللَّه علم ذلك.
وقوله: (وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ).
قال بعض أهل التأويل: إن الرجل الذي قال ذلك تاب عن ذلك، فقبل منه ذلك، وكان له قتيل في الإسلام فوداه رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فأعطاه ديته، فاستغنى بذلك.
وقال ابن عَبَّاسٍ: (وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ): كان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يعطي المنافقين من الغنائم والصدقات، يقول: ما نقموا ما أعطاهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - من الغنيمة والصدقة.
وقوله: (نَقَمُوا)، قال بعض أهل الأدب - أبو معاذ وغيره -: نقموا، أي: طعنوا، فيه لغتان: نقِموا - بالخفض - ونقَموا - بالنصب - يقال: نقِم ينقَم، ونقَم ينقِم - بكسر القاف - فهو - واللَّه أعلم - يقول: ما طعنوا مني رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وما ذكروه بسوء إلا أن أغناهم اللَّه؛ لأنهم لو كانوا أهل فقر وحاجة ما اجترءوا على الطعن على رسول اللَّه وما ذكروه بسوء، ولكن طعنوا فيه لما أغناهم اللَّه.
ويحتمل قوله: (وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ): ما عاملهم رسول اللَّه معاملة الكرام وتبسط إليهم حتى قالوا: إنه أذن يقبل العذر، فذلك الذي حملهم على الطعن.
وقوله: (فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ) فيه أن المنافق تقبل منه التوبة. (وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) بما ذكرنا في الدنيا: الأمر بالجهاد والقتل والخوف، هذا التعذيب في الدنيا، والتعذيب في الآخرة.
وقوله: (وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) قد ذكرنا هذا في غير موضع.
* * *
قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (٧٧) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (٧٨)