وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا ... (٣٢) قالوا ذلك لأنه قد كان طال عمره وهو بين أظهرهم ويدعوهم إلى الإيمان، فأكثر حجاجه ومجادلته إياهم.
فقالوا: (فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) وكان يعدهم العذاب إن لم يجيبوه؛ كقوله: (إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)، وما كان وعد لهم في غير آية من القرآن إن لم يجيبوه فقالوا: (فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا) من العذاب، فقال: (إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ ... (٣٣) أي: ليس لي إتيان ذلك إنما ذلك إلى اللَّه، إن شاء عجل وإن شاء أخر إلى ما بعد الموت؛ وهو كقول رسول اللَّه لقومه: (لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) أي: لا تعجزون اللَّه عن تعذيبكم فتفوتون عنه، وقيل: وما أنتم بسابقي اللَّه بأعمالكم الخبيثة حتى يجزيكم بها؛ وهو واحد، والله أعلم.
وقوله: (وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٣٤) تأويله - واللَّه أعلم - لا ينفعكم دعائي إلى ما به نجاتكم إن كان اللَّه يريد أن يغويكم ثم اختلف في وقت ذلك: قَالَ بَعْضُهُمْ: لا ينفعكم نصحي عند إقبال العذاب عليكم؛ إن كان في حكم اللَّه ألا تكونوا من الغاوين في ذلك الوقت.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي) (إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ)، أي: لا ينفعكم نصحي إن كان اللَّه يريد أن يعذبكم في نار جهنم ويقول الغي العذاب؛ كقوله: (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)، أي: عذاب جهنم ونحوه من الكلام.
وأما عندنا فهو على ما أخبر: إن كان اللَّه يريد إغواء قوم أبدا فهم في الغواية أبدًا، وأصله أن اللَّه أراد غواية من في علمه أنه يختار الغواية وأراد ضلال كل من في علمه أنه يختار الضلال؛ لأن من في علمه أنه يختار الغواية، والضلال اختار عداوته، ولا يجوز