وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) أي: ارجعوا إليه رجوعًا حتى لا تعودوا إلى مثل صنيكعم أبدًا (إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ) يرحم من تاب إليه، واللَّه يرحمه (وَدُودٌ) يحتمل وجهين:
أحدهما: ودود: أي: حق أن يودّ؛ إذ منه كل شيء وكل إحسان، والناس جبلوا على حب من أحسن إليهم.
والثاني: ودود لمن توسل إليه وتقرب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (٩١) قوله: (مَا نَفْقَهُ) يحتمل: ما نفهم وما نعقل كثيرًا مما تقول؛ كأنهم يقولون ذلك على الاستهزاء والهزء به؛ كأنهم نسبوه إلى الجنون؛ يقولون: لا نفهم ما تقول؛ لأن كلامك كلام مجانين. وهذه هي عادة القوم؛ كانوا ينسبون الرسل إلى الجنون.
ويحتمل: ما نفقه: ما نقبل كثيرًا مما تقول، فإن كان على الفهم فهو كقوله: (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ)، وهم كانوا في يقين: فريق كانوا يقولون: قلوبنا أوعية للعلم؛ كقولهم: (قُلُوُبنَا غُلْفٌ) فإن كان ما تقول حقًّا نفهم ونعقل كما نعقل غيره، وفريق قالوا: (قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ) كانوا يعقلون أنهم لا يفهمون ولا يفقهون؛ لأن قلوبهم في أكنة وفي آذانهم وقر، والفريق الأول يقولون: إن قلوبنا أوعية للعلم، فلو كان حقًا لعقلناه كما عقلنا غيره، فهَؤُلَاءِ كانوا يصرفون العيب إلى الرسول، وأُولَئِكَ إلى أنفسهم، فعلى ذلك قوم شعيب يحتمل أن يكون قولهم كذلك، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا) يحتمل هذا وجهين:
أحدهما: أي: إنك لست من كبرائنا وأجلتنا، إنما أنت من أوساطنا، وعلى ذلك الأنبياء إنما بعثوا من أوساط الناس، لا من كبرائهم في أمر الدنيا، فالقوي والعزيز عند أُولَئِكَ القوم من عنده الدنيا والمال، وأما من لم يكن عنده المال فهو عندهم ضعيف ذليل؛ لأنهم لا يعرفون الدِّين، ولا يؤمنون بالآخرة، لذلك قالوا ما قالوا.