بالكليات، ورد الفروع إلى الأصول، وهي سمة ليست مقصورة على تفسيره فقط، بل تؤكدها تآليفه في الفقه وأصوله والتوحيد، وبخاصة أصول الفقه ذلك العلم الذي يقوم على ربط المسائل الفرعية بأصول الأحكام.
ثالثًا: اهتمامه بالمضمون:
ينزع الماتريدي في تفسيره إلى بيان المضمون الذي تنطوي عليه الآيات دون النظر إلى الألفاظ، وما يعتورها من نكات لغوية وبلاغية، وإذا عرج على ذلك فلخدمة المضمون وإبرازه، والنماذج السابقة دالة على ذلك.
وهذا يجعلنا نقرر سمة من سمات الماتريدي، وهي اهتمامه بربط عملية الفكر بعملية التطبيق والعمل، فالأفكار الذهنية لا قيمة لها بعيدة عن العمل والتطبيق؛ ولذلك في كثير من الأحيان كان يرفض تفصيلات لا طائل تحتها، ويذكر ذلك في صراحة أنه ليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة.
وهذا يفسر لنا اهتمامه في تفسيره لآيات القرآن الكريم بمعناها أكثر من اهتمامه بالشكل أو اللفظ، فالمهم عنده كشف المضمون ومرامي الآيات.
هذا، ولكي يبرز لنا انتماء الماتريدي التفسيري بوضوح أشد، نقف وقفة مع موقفه من طرائق التفسير المختلفة:
أولًا: موقف الماتريدي من التفسير بالمأثور:
نعني بتفسير القرآن الكريم بالمأثور -كما سبقت الإشارة-: تفسير القرآن الكريم بالقرآن الكريم، أو تفسيره بالسنة، أو تفسيره بالقراءات، أو تفسيره بأقوال الصحابة وأقوال التابعين.
ونتناول كل لون تفسيري من الألوان السابقة وموقف الماتريدي منه، كل واحد على حدة:
أ - تفسير القرآن بالقرآن:
يقوم الماتريدي بتفسير بعض آيات القرآن الكريم بآيات أخرى منه، ففي قوله تعالى من سُورَةُِ الأنعام: (يَعْلَمُ سِرَّكُم وَجَهْرَكُم) يقول:
" اختلف فيه؛ قيل: (يَعْلَمُ سِرَّكُم): ما تضمرون في القلوب، (وَجَهْرَكُم): ما تنطقون، (وَيَعْلَمُ مَا تكْسِبُونَ): من الأفعال التي عملت الجوارح؛ أخبر أنه يعلم ذلك كله؛ ليعلموا أن ذلك كله يحصيه؛ ليحاسبهم على ذلك؛ كقوله: (وَإن تُبْدُوا مَا في أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخفُوهُ