وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢١)
يحتمل هذا - واللَّه أعلم -: وإن من شيء يخزن في الخلق - إلا عندنا خزائنه؛ أي: إلا عندنا تلك الخزائن؛ أي: ما تخزنون من الأشياء، فتلك عندنا وفي خزائننا.
(وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ).
على هذا (وَمَا نُنَزِّلُهُ): أي: ما نعطيه (إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ): أي: وإن كان عندكم مخزونًا محبوسًا - فإن ذلك كله في خزائنه، أعطى من شاء، وحرم من شاء.
ويحتمل قوله: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ) والخزائن: هي الأمكنة الخفية التي تخزن فيها الأموال، وبواطن من الأرض، يقول - واللَّه أعلم -: وإن من شيء كان في بواطن الأرض، وأمكنة خفية - إلا عندنا تدبير ذلك وعلمه، يخبر أن تدبيره وعلمه فيِ الخفية من الأمكنة - كهو في الظاهر؛ لا يخرج شيء عن تدبيره وعلمه، بل كل ذلك في تدبيره وعلمه.
وقال الحسن: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ): أي: الماء الذي جعل به حياة كل شيء، ولا يخرج شيء عن منافعه، فهو خزائن الأشياء كلها، وبه قوام كل شيء، وقال: ألا ترى أنه قال: (وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ)، ذكر الإنزال: وهو الذي ينزل من السماء طاهرًا. هذا الذي قاله محتمل، لكن تمامه أن يقال: إن الماء خزانة، والخزانة: هي الموضع الذي يخزن فيه، وفي الماء قوة ومعنى؛ يكون فيه حياة الخلق، ومنافعهم، فيما جعل فيه لا في نفس الماء، ألا ترى أنه يصيب عروق الشجر؛ فتظهر منافعه في غصونها؛ في أعلاها؛ فثبت أن فيه قوة سرية، ومعنى يكون المنافع بها لا بنفس الماء، واللَّه أعلم بذلك.
ثم ما ذكر من الخزائن، والرياح، والماء، والمطر، وغير ذلك من النعم؛ يذكر على الاحتجاج عليهم؛ لأنه إنما أنشأ هذه الأشياء، وخلقها لهَؤُلَاءِ، لا أنه أنشأها لنفسها، فإذا كان أنشأها لهم - فلا يحتمل أن يتركهم سدى؛ لا يأمرهم ولا ينهاهم، ولا يمتحنهم ولا يجعل لهم عاقبة يثابون أو يعاقبون؛ ولذلك قال في آخره: (وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ).