أو أن يذكر هذا؛ لقطع ما يرجون من دون اللَّه من كشف ضر عنهم ودفعه، أو جر نفع إليهم وسوق خير، على ما أخبر أنه لا يملك ذلك أحد سواه كقوله: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ. . .) الآية، وقوله: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ. . .) الآية: أخبر أنه لو فتح هو رحمة لا يملك أحد دونه إمساكها، ولو أمسك هو لا يملك أحد إرسالها دونه، ولو من ضر لا يملك أحد كشفه، وإن أراد خيرًا لا يملك أحد دفعه ورده.
هذا يذكر - واللَّه أعلم - للمسلمين؛ لئلا يرجوا أحدًا من الخلائق دون اللَّه ولا يخافوا أحدًا سواه.
ثم صرف أهل التأويل تأويل الآية إلى الملائكة، لكن الآية تحتمل كل معبود دون اللَّه: الملائكة والجن والأصنام التي عبدوها.
وأمَّا الآية الثانية التي تتلوها ظاهرها في الملائكة والجن، وهو قوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ ... (٥٧)
أي: أُولَئِكَ الذين يعبدون من دون اللَّه يبتغون هم إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ. . .) الآية: اختلف فيه: منهم من صرفها إلى الملائكة.
ومنهم من صرفها إلى الجن، وهو قول عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: إن قومًا من العرب كانوا يعبدون الجن، ثم أسلم الجن، فبقِي أُولَئِكَ كما كانوا يعبدونهم بعد إسلامهم؛ فيقول: أُولَئِكَ الذين يعبدون من دون اللَّه يبتغون إلى ربهم الوسيلة؛ فكيف تعبدونهم؟!
ومن قال: إنها في الملائكة - اختلفوا في قوله: (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ): قال الحسن: يرجون محبته ورضاه، (وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ)، أي: خوف الهيبة والجلال والعظمة لا خوف عذاب النار ونقمته؛ لأن اللَّه - تعالى - عصمهم من أن يرتكبوا ما يوجب لهم النقمة والعذاب؛ حيث قال: (لا يعصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُم)، وقال: (لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ)، وقال في قوله: (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ): هذا إخبار أنهم لو قالوا ذلك لفعل بهم ما ذكر ليس