على أن يقول أحد منهم ذلك.
وقال أبو بكر: (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ): ثوابه، (وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ): نقمته؛ حيث قال: فهم من الوعيد ما قال: (وَمَن يَقُل مِنهُم. . .) الآية؛ فقد أثبت لهم الوعيد فيه، لكن ثوابه ما يتلذذ به وعذابه ما يتألم به ويتوجع.
ومنهم من يقول من أهل التأويل (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ)، أي: جنته، لكن هذا يشبه أن يكونوا يرجون صحبة أهل الجنة؛ كقوله: (يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (٢٣) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ. . .) الآية.
وجائز عندنا صرف قوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) إلى الأصنام التي عبدوها من دونه أيضًا، ويكون تأويل: (يَدْعُونَ): يبتغون، أي: لو لم يكن لهم من العبادة والطاعة، وركب فيهم من أسبابها لكانوا كما ذكر، وهو كقوله: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ) أي: لو مكن له وركب فيه ما ركب في البشر ومكن لهم (لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) على ما ذكر من سفه أُولَئِكَ الذين عبدوا من دون اللَّه؛ يقول: كيف تعبدون من لو مكن من العبادة والطاعة لكانوا يبتغون بذلك الوسيلة إلى ربهم؟! أو كيف تعبدون من هو بطاعة ربه يبتغي الوسيلة إليه؟!؛ إن كانت الآية في الملائكة؛ كأنه يذكر سفه أهل مكة؛ حيث سألوا العذاب بقوله: (فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً. . .) الآية، ونحوه، وأهل السماء والأوض جميعًا يحذرون عذابه.
وقوله: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ) ما ذكر: ليس هو بأمر في الحقيقة، وإن كان ظاهره أمرًا؛ ولكن إخبار عن عجز ما يدعون من دونه، وتعجيز ما ذكر من كشف الضر ودفعه والتحويل، وكذلك قوله: (قُلْ كُونُوا حِجَارَةً. . .) الآية. ليس هو بأمر؛ إنما هو إخبار عن قدرته أنه لا يعجزه شيء، وإن بدلتم أصلب الأشياء وأعظمها.
وقوله - عزّ وجلّ -: (فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ)، أي: دفعه وردّه، وَلَا تَحْوِيلًا): يحتمل وجهين:
أحدهما: فلا يملكون تحويل ذلك الضرّ إلى غيركم ولا صرفه.
والثاني: (وَلَا تَحْوِيلًا) من الأشد والأثقل إلى الأخف والأيسر والأهون.