وقوله - عَزَّ وَجَلََّّ -: (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا).
أي: يحذره أهل السماء وأهل الأرض.
وقوله - عَزَّ وَجَلََّّ -: (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (٥٨)
قال أبو بكر الأصم: وإن من قرية إلا نحن مميتوها، وقد يستعمل الهلاك في موضع الموت؛ كقوله: (امْرُؤٌ هَلَكَ)، أي: مات، ويقال -أيضًا-: هلك فلان، أي: مات، فعلى ذلك يكون قوله: (إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا) أي: مميتوها (قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ)؛ كقوله: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)، وكقوله: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ).
(أَو مُعَذبُوهَا)، أي: منتقموها (عَذَابًا شَدِيدًا)؛ فعلى تأويله يصح على جميع القرى والمدن، ليس قرية دون قرية، ولا مدينة دون مدينة؛ ولكن على الكل على ما أخبر من إهلاك الكل بقوله: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)، و (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ).
ويحتمل ما ذكر من إهلاك القرية: إهلاك الأهل؛ من إهلاك القرية بعد إهلاكهم؛ على ما فعل بكثير من القرى.
وجائز أن يكون يهلك الأهل ويبقى القرية على حالها، ثم تهلك بنفسها قبل يوم القيامة، واللَّه أعلم.
وعلى تأويل أبي بكر يفص ذا أو ذا: إمَّا يميتهم أموتا، بآجالهم، أو يعذبهم عذاب إهلاك.
وقال الحسن: قوله: (إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا)، أي: مميتوها؛ على ما قال أبو بكر؛ (أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا): يقول: إذا قامت الساعة قبل يوم القيامة؛ كقوله: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ. . .) الآية، وقوله: (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ. . .) الآية. فذلك كله قبل يوم القيامة، وهو يقول: إن الساعة تقوم على شرار الناس؛ فيكون ما ذكر من التعذيب لأُولَئِكَ الذين تقوم بهم الساعة على قوله.
وقال قتادة: هذا قضاء من اللَّه كما تسمعه ليس منه بد: إمَّا أن يهلكها بموت؛