وقوله: (إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ) ما ذكرنا من أفعالهم وأعمالهم.
وقوله: (فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ) حتى لم ينج منهم أحد.
قال أَبُو عَوْسَجَةَ: الكرب: واحد، وجمعه كروب، وهو الهموم والشدائد، والكربة واحدة، والكُرَب جمع، وهو مثل الكروب، قال: والأكراب تكون للدلاء، وهي جماعة الكرب، وهو حبل يشد في عراقي الدلو، وعراقي الدلو: خشبات الدلو، الواحدة: عرقوة، قال: والكراب: الحراث.
* * *
قوله تعالى: (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (٧٩) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (٨٠) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (٨١) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (٨٢)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ. . .) الآية.
قال بعض الناس: دل تخصيص سليمان بالتفهيم على أنه لم يفهم داود ذلك، ويدل على ذلك وجوه:
أحدها: إشراكه - عَزَّ وَجَلَّ - إياهما جميعًا في الحكم والعلم وغيره؛ حيث قال: (إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ)، وقال: (وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا)، ذكر ما كانا مشتركين فيه، وخص سليمان بالتفهيم؛ فدل التخصيص بالشيء أحدهما والإشراك في الآخر على أنه كان مخصوصًا به دون الآخر.
والثاني: أن هذه الأنباء إنما ذكرت لنا لنستفيد بها علمًا لم يكن، فلو لم يكن سليمان مخصوصًا بالفهم دون داود، لكان لا يفيدنا سوى الحكم والعلم، وكنا نعلم أنهما قد أوتيا حكما وعلما، وكانا يحكمان بالعلم، فإذا كان كذلك، فدل التخصيص بالتفهيم لأحدهما على أن الآخر لم يكن مفهما ذلك، واللَّه أعلم.
والثالث: فيه دلالة: أن المجتهد إذا حكم وأصاب الحكم أنه إنما أصاب بتفهيم الله إياه وبتوفيقه؛ حيث أخبر أنه قد آتاهما جميعًا العلم، ثم خص سليمان بالتفهيم، والتفهيم هو فعل اللَّه؛ حيث أضاف ذلك إلى نفسه.
ثم إن كان ما ذكرنا كان في ذلك دلالة لأصحابنا، فيمن قتل مسلما في دار الحرب أسلم هنالك: أن عليه الكفارة، وليست عليه الدية؛ حيث قال: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً