أو (مِنَ الصَّالِحِينَ)، أي: كان يعمل بكل أنواع الصلاح.
* * *
قوله تعالى: (وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (٧٧)
وقوله: (وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: من قبل إبراهيم وإسحاق ويعقوب؛ لأنه ذكر هَؤُلَاءِ على أثره، ثم اختلف في ندائه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: نداؤه هو قوله: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ).
وقَالَ بَعْضُهُمْ: نداؤه هو قوله: (رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (٥) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا).
أو أن يكون ذلك قوله: (رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا)، وقوله:
(رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا. . .) الآية، وأمثاله.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ).
أهله: أتباعه من أهله ومن غيرهم.
وقوله: (مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) قال عامة أهل التأويل: (مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) هو الغرق والهول الشديد الذي كان به.
وجائز أن يكون (مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ): هو ما قاسى من قومه ولقي منهم بدعائه إياهم إلى دين اللَّه في تسعمائة وخمسين عامًا، وما كانوا يسخرون به ويؤذونه من أنواع الأذى؛ كقوله: (إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ)، ونحو ذلك من الأذى الذي قاساه منهم، فأنجاه من ذلك الكرب، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (٧٧)
وفي حرف أبي بن كعب: ونصرناه على القوم الذين كذبوا بآياتنا، والنصر: هو اسم لأمرين: اسم للمنع، واسم للظفر، فمن قرأه: (وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا)، أي: منعناه من أن يقتله قومه ويهلكوه، والنصر: المنع؛ كقوله: (فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ)، أي: لا مانع لهم.
ومن قرأه: (على القوم الذين كذبوا بآياتنا) أي: أظفرناه على قومه؛ كقوله: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)، وقد كان له الأمران جميعًا: المنع، والظفر.