هذا يخرج على وجهين:
أحدهما: وإن يكذبوك فيما أخبرت لهم وذكرت من التمكين، والثبوت على الدِّين، ووعدت لهم الجنة، فقد كذبت الأمم الذين من قبلك رسلهم إذا أخبروا لهم بشيء، أو وعدوا لهم بنصر، أو نحوه.
وجائز أن يكون قوله: (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) في الرسالة وفيما تخبر عن اللَّه من الأخبار، يصبر رسوله: لست أنت بأول رسول مكذب في الخلق، ولكن قد كذب الأقوام الذين كانوا قبلك رسلهم في الرسالة، وهو ما قال: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ. . .) الآية.
وقوله: (فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (٤٤) أي: لم يعاقب اللَّه قومًا كذبوا رسلهم وقت تكذيبهم الرسل، بل أمهلهم حتى اغتروا بتأخير العذاب عنهم، وزاد لهم تكذيبًا وعنادًا، فعند ذلك أخذوا، وعوقبوا بالتكذيب، وهو ما أخبر عنهم، وهو كقوله: (لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ).
قال الحسن: إن اللَّه لم يهلك قومًا بأول التكذيب، ولكن أمهلهم قرنًا فقرنا، وقوما بعد قوم، ورسولا بعد رسول، فعند ذلك إذا علم منهم أنهم لا يؤمنون أهلكهم، وإن كان يعلم في الأزل من يؤمن منهم ومن لا يؤمن حتى يعلم علم ظهور وعلم ابتلاء أنهم لا يؤمنون، وهو كقوله: (حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ) علم ظهور في الخلق، وإن كان يعلم علم باطن وخفي.
وقوله: (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (٤٥) لم يهلك اللَّه تعالى أهل قرية إهلاك استئصال وتعذيب إلا بعد عناد أهلها وظلم شرك، كقوله: (وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ)، وكقوله: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ)، وأمثاله كثير، على ما ذكرنا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا) فإذا ذهبت السقف وبقيت الحيطان فهي خاوية على عروشها.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: خاوية: خربة، ساقطة حيطانها على سقوفها.
وقال الحسن: العريش: كل ما ارتفع من الأرض وعلا، يقال: عرش، وعروش جمع، وهكذا كان ما أهلك اللَّه من القرى: