منها: ما أهلك أهلها وترك القرى والبنيان على حالها لأوليائها، من ذلك فرعون وقومه، وغيره من الأقوام.
ومنها: ما أهلك القرى بأهلها، لم يترك منها شيئًا، من نحو قريات لوط وثمود وهَؤُلَاءِ.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: العرش: هي أجذام الشجر، وكأنها أسطوانة، وأصل الخاوية: خلاؤها عن الأهل، وكذلك قوله: (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ) عطلها أهلها، ليس بها أحد، لا أنها خربت على أماأ ذكرنا من إهلاك أهلها.
وقوله: (وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) قَالَ بَعْضُهُمْ: (مَشِيدٍ): مجصص، والشيد: الجصّ.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (مَشِيدٍ): أي: مرتفع، والمُشَيَّد - بالتشديد -: المطول المرتفع.
قَالَ الْقُتَبِيُّ: المشِيد: المبني بالشيد، وهو الجص، والمشَيَّد: المطول، ويقال: هما سواء، وهو مطول. وكذلك قال أَبُو عَوْسَجَةَ أو قريبًا، وكأنه ذكر هذا لأهل مكة لوجهين:
أحدهما: أن كانت لهم قرية فيها قصور مشيدة محصنة يتحصنون بها، يخبر أن من كان قبلكم أشد قوة وأكثر حصنا وقصورا، فلما كذبوا رسلهم لم ينفعهم ذلك، ولكن نزل بهم العذاب، فعلى ذلك أنتم يا أهل مكة إذا كذبتم رسولكم ينزل بكم مثل ما نزل بأُولَئِكَ.
أو أن يكونوا آمنين فيها مطمئنين، فقال: إن أُولَئِكَ قد كانوا آمنين مطمئنين في قراهم كأمنكم، ثم نزل بهم ما نزل، فأنتم دوإن كنتم آمنين فينزل بكم ما نزل بأُولَئِكَ، وهو ما قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً. . .) الآية، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦) هلا ساروا في أن ارض، فتكون لهم قلوب يعقلون بها فينظروا؛ ليعرفوا ما حل بأُولَئِكَ بالتكذيب؛ فيمتنعون عنه، (أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا) أي: يسيروا فيستمعوا إلى الأخبار التي فيها ذكر هلاكهم، وما نزل بهم بالتكذيب والعناد؛ لأن ما حل بالأولين إنما يعرف ذلك بأحد أمرين: إما بالمعاينة بالنظر