قال الحسن في قوله: (وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) إلى آخره قال: أمر أن يأخذ من ماله قدر عيشه، ويقدم ما سوى ذلك لآخرته، وكذلك قال في قوله: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ) أي: قدم الفضل وأمسك ما يبلغك.
(وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ): قال: يكفيك ما أحل اللَّه لك من الدنيا؛ فإن فيه غناء وكفاية.
وأصله: ما روي عن نبي اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " لك من الدنيا ما أكلت ولبست وأفنيت وما قدمت " جعل المقدم من الدنيا له، وأمَّا ما خلفه فهو لغيره.
وهكذا أمر الدنيا لم تخلق الدنيا لتبقى لأهلها أو يبقى أهلها فيها، ولكن إنما خلقت لتفنى هي أو يفنى أهلها، وخلقت الآخرة للبقاء، فنصيبه من الدنيا ما قدم وأنفق في طاعة اللَّه وفي سبيله ليس ما خلفه في هذه الدنيا.
وقوله: (وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) يحتمل قوله: (وَأَحْسِنْ) إلى نفسك في العمل للآخرة كما أحسن اللَّه إليك، وأحسن إلى الخلق كما أحسن اللَّه إليك.
وقوله: (وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ): هذا يدل أنه كان ينفق ماله إلا أنه كان ينفق في الصد عن سبيل اللَّه؛ حيث قال: (وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ)، ولو كان في ترك الإنفاق لم يكن في ذلك بغي الفساد في الأرض.
ثم الواجب على من حضر الملوك وشهد مجالسهم من أهل العلم أن يخوفوا الملوك، ويواعدوهم بما أوعد قوم موسى قارون وخوفوه، ويأمروهم بالصلاح في أنفسهم وفي رعيتهم، كما أمر أُولَئِكَ قارون، وينهوهم كما نهاه أُولَئِكَ، فإن أجابوهم وإلا امتنعوا عنهم وكفوا أنفسهم عن الاختلاف إليهم، فإن لم يفعلوا فهم شركاؤهم في جميع ما يفعلون، واللَّه أعلم.
وقوله: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (٧٨)
اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: إن قارون كان أخبر الناس بالتوراة وأعلمهم بها وسمي: قارون لذلك، وذكر أنه سمي: المنور؛ لحسن صوته بالتوراة. وقَالَ بَعْضُهُمْ: سمى: منورًا لذكائه، واللَّه أعلم.
وقال): قوله: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي): وهو الكمياء، ذكر أنه يعالج