صنعة الذهب ويحسنها.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) أي: على خبر عندي، قال ذلك على أثر قول أُولَئِكَ: (وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) إلى قوله تعالى: (وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ) كأنهم أوعدوه بذهاب ذلك عنه وهلاكه، فقال - واللَّه أعلم -: إنما أوتيت ذلك على علم عندي، لم أوت جزافًا بلا سبب، وكأنه - واللَّه أعلم - نسي الآخرة بما أوتي من المال والكنوز، وترك الإنفاق في الخير، وكان ينفق في صد الناس عن سبيل اللَّه؛ ولذلك قال: (وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ)، إلا أنه كان عارفًا باللَّه حيث قالوا له: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ) وقالوا له: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) دل هذا منهم أنه كان عارفًا باللَّه تعالى.
وقوله: (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا): ذكر هذا - واللَّه أعلم - لما أنه كان يفتخر ويستكبر على الناس بما أوتي من الأموال والكنوز والأتباع، ويحسب أنه يدفع العذاب الموعود في هذه الدنيا بذلك عن نفسه.
أو يظن أنه لما أوتي ذلك لا يعذب كظن أُولَئِكَ الكفرة حيث قالوا: (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ)؛ فجائز أن كان من قارون من الإعجاب بالكثرة والجمع ما ذكر بأُولَئِكَ، فقال عند ذلك: (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا)، ثم لم يتهيأ لهم دفع ما نزل بهم من العذاب؛ فعلى ذلك أنت يا قارون، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ): اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: لا يسألون عن ذنوبهم؛ كقوله: (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ).
وقَالَ بَعْضُهُمْ: لا يسأل هذه الأمة عن صنيع مجرمي الأمم الخالية.
وجائز ألا يسأل عن ذنوبهم؛ لأنهم لا يرون ما يعملون من الأعمال ذنوبًا، ولكن إنما يسألون عن الدليل الذي به لا يرون تلك الأعمال ذنبًا، واللَّه أعلم.