فيه أن ما ذكر من العذاب للأتباع منهم لا للمتبوعين، ولم يذكر عذاب المتبوعين في الآية حيث قال: (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (٦٩) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: يسرعون وهو شبه الهرولة، والإهراع: هو الإسراع؛ وهو قول الْقُتَبِيّ وأبي عَوْسَجَةَ.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (يُهْرَعُونَ) أي: يسعون؛ وهما واحد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (٧١)
يقول - واللَّه أعلم -: ولقد ضل قبل قومك يا مُحَمَّد من الأولين أكثرهم من الأمم الخالية من لدن آدم فهلم جزا إلى مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وعلى آدم ومن بينهما من النبيين.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (٧٢)
أي: لقد أرسلنا في الذين ضلوا قبل قومك منذرين ينذرونهم، ما من قوم إلا بعث إليهم نذير كما أرسلناك إلى قومك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣)
يقول - واللَّه أعلم -: انظر كيف صنعنا بمن أنذرنا بالعاقبة فلم يؤمن ولم يقبل ولم ينفعه النذارة.
(إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (٧٤)
استثنى المخلصين منهم، وهم الذين نفعتهم النذارة وقبلوها؛ فنجوا مما ذكر من عذابهم، واللَّه أعلم.
ويحتمل: أنه سماهم المخلصين؛ لما اصطفاهم اللَّه وأخلصهم لعبادته.
* * *
قوله تعالى: (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (٧٥) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (٧٧) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (٧٨) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (٧٩) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٠) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (٨١) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٨٢)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ. . .) الآية.
قَالَ بَعْضُهُمْ: حين دعا ربه فقال - عليه السلام -: (أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ)، فكأنه إنما دعا ربه بالهلاك على قومه، فأجاب اللَّه دعاءه، وهو ما قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ. . .)، إلى آخر ما ذكر.