ثمة أمران الرسل - عليهم السلام - هم مخصوصون بهما من بين غيرهم من الناس: أحدهما: أن ليس لهم الدعاء على قومهم بالهلاك وسؤال العذاب عليهم إلا بعد مجيء الإذن لهم من اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - بالدعاء عليهم، فنوح - عليه السلام - إنما دعا ربه بإنزال الهلاك عليهم بالإذن من ربه.
والثاني: لم يكن لهم الخروج من بين أظهرهم عند نزول العذاب بهم إلا بإذن من اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - على ذلك؛ ولذلك جاء العتاب ليونس - عليه السلام - والتعيير لما خرج من بينهم عند نزول العذاب بلا إذن كان من ربه حيث قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ. . .) الآية، هما خصلتان لهم خاصة صلوات اللَّه عليهم، وأما لغيرهم من أهل الدِّين فلهم أن يدعوا على الفجرة والفسقة منهم باللعن والهلاك، فلهم أن يفروا منهم، وأن يخرجوا من بين أظهرهم؛ لفسقهم وفجورهم، وكان هذا يعد من صالح الأعمال لهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ).
وهو الرب - تبارك وتعالى - ذكر المجيب على الجماعة: إنا نفعل كذا، وفعلنا كذا، وهو كلام الملوك فيما بينهم، ثم كل فعل يضاف إلى اللَّه - تعالى - يشاركه فيه غيره أو ينسب يزاد فيه شيء يكون فاصلا، وذلك يينه وبين فعل غيره؛ نحو ما قال - عَزَّ وَجَلَّ - في موضع آخر: (وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ)، ونحو قوله: (عَالِم)، لا كالعلماء ونحوه مما يكثر ذلك؛ لأنه قادر على وفاء ما وعد وأخبر وإنجاز ذلك لا يعجزه شيء، وغيره من الخلائق لعلهم لا يقدرون على وفاء ذلك والقيام بإنجاز ما وعدوا؛ لذلك كان ما ذكر، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦)
يحتمل نجاته من الكرب العظيم هو دعاؤه قومه إلى توحيد اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - تسعمائة وخمسين سنة، وما قاساه منهم من أنواع الأذى من التكذيب وغيره، فأنجاه اللَّه من كرب ذلك حين أهلكهم.
ويحتمل: (مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) هو القول الشديد وهو الغرق، أغرق قومه وأنجاه منه، سماه: عظيمًا؛ لشدة ما أصابهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (٧٧)
أي: جعلنا ذرية نوح - عليه السلام - من بين سائر ولد آدم وذريتهم هم الباقين، وأهلكنا غيرهم؛ ولذلك كان بقاء نسله إلى يومنا هذا وهلك نسل غيره، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (٧٨)