ويحتمل أن يكون قوله: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ) أي: كرهوا ما أنزل اللَّه على غير بني إسرائيل، فإن كان هذا فالآية في أهل الكتاب؛ لأنهم لم يروا الرسل من غير بني إسرائيل ولا إنزال الكتب على أحد من غير بني إسرائيل، واللَّه أعلم.
وقوله: (فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) أي: بتركهم اتباع ما أنزل اللَّه وقبوله، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ - (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ... (١٠) قد ذكرنا فيما تقدم: أنه يخرج على وجوه ثلاثة:
أحدها: أي: لو ساروا في الأرض، لعرفوا ما نزل بأُولَئِكَ بماذا نزل بهم؟ وهو تكذيبهم للرسل وكفرهم بهم، ولعرفوا أن من نجا منهم بماذا نجا؟ وهو التصديق لهم، والإيمان بهم.
والثاني: على الأمر؛ أي: سيروا في الأرض، فانظروا ما الذي نزل بمكذبي الرسل ومستهزئيهم؛ ليكون ذلك مؤجرًا لهم عن مثل معاملتهم الرسول؛ عليه السلام.
والثالث: أي: قد ساروا في الأرض، لكن لم ينظروا ولم يعتبروا فيما نزل بأُولَئِكَ أنه بماذا نزل بهم، ولو تأملوا فيهم، لكان ذلك زجرًا لهم عن المعاودة إلى مثل ذلك، والله أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا) هذا خرج على وجوه:
أحدها: أي: (دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ) سوى هَؤُلَاءِ الكفار الذين دمر اللَّه عليهم أمثال ما لهم من الهلاك بتكذيبهم الرسل.
والثاني: أي: (دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا) أي: للكافرين من قومك أمثالها، وهذا وعيد لقومه.
والثالث: أن يقول: لقومه ولكل كافر أمثال ذلك، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (١١) تأويله: أي: ذلك الذي ذكر لهم؛ لأجل أن اللَّه ناصر الذبن اتبعوا أمره، وآمنوا به، وصدقوه، فدفع العذاب عنهم باتباعهم أمره، وإن للكافرين ذلك؛ لما ليس هو بناصر لهم؛ لتركهم اتباع أمره وتصديقهم إياه، فلم يدفع العذاب عنهم.
أو يقول: (ذَلِكَ)، أي: دفع العذاب عن الذين آمنوا؛ لما أن اللَّه يتولى أمورهم، ويعصمهم، وأنه لم يتول أمور الكفرة؛ أي: لم يعصمهم، وخذلهم، وتركهم على ما اختاروا؛ لعلمه باختيارهم ما اختاروا من التكذيب، وتولى المؤمنين وعصمهم؛ لعلمه بما يختارون من التصديق والاتباع له، واللَّه أعلم.